و كان كليب بن ربيعة ليس على الأرض بكريّ و لا تغلبيّ أجار رجلا و لا
بعيرا إلا بإذنه، و لا يحمي حمى إلا بأمره، و كان إذا حمى حمى لا يقرب؛ و كان لمرّة
بن ذهل/ بن شيبان بن ثعلبة عشرة بنين جسّاس أصغرهم، و كانت أختهم عند كليب. و قال
مقاتل و فراس: و أمّ جسّاس هيلة بنت منقذ بن سليمان [1] بن كعب بن عمرو بن سعد بن
زيد مناة، ثم خلف عليها سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بعد مرّة بن ذهل، فولدت له
مالكا و عوفا و ثعلبة. قال فراس بن خندق [2] البسوسيّ [3]: فهي أمّنا. و خالة
جسّاس البسوس- و قال أبو برزة: البسوسيّة- و هي التي يقال لها: «أشأم من البسوس»
[4]. فجاءت فنزلت على ابن أختها جسّاس فكانت جارة لبني مرّة، و معها ابن لها، و
لهم ناقة خوّارة [5] من نعم بني سعد و معها فصيل.
أخبرني عليّ بن
سليمان قال قال أبو برزة: و قد كان كليب قبل ذلك قال لصاحبته أخت جسّاس: هل تعلمين
على الأرض عربيّا أمنع منّي ذمّة؟ فسكتت ثم أعاد عليها الثانية فسكتت ثم أعاد
عليها الثالثة، فقالت: نعم أخي جساس و ندمانه [6]/ ابن عمّه عمرو [7] المزدلف بن أبي
ربيعة بن ذهل بن شيبان. و زعم مقاتل: أن امرأته كانت أخت جسّاس، فبينا هي تغسل رأس
كليب و تسرّحه ذات يوم إذ قال: من أعزّ وائل؟ فصمتت [8]، فأعاد عليها؛ فلما أكثر
عليها قالت: أخواي جسّاس و همّام؛ فنزع رأسه من يدها و أخذ القوس فرمى فصيل ناقة
البسوس خالة جسّاس و جارة بني مرّة فقتله؛ فأغمضوا على ما فيه و سكتوا على ذلك. ثم
لقي كليب ابن البسوس [9] فقال: ما فعل فصيل ناقتكم؟ قال: قتلته و أخليت لنا لبن
أمّه؛ فأغمضوا على هذه أيضا. ثم إنّ كليبا أعاد على امرأته فقال: من أعزّ وائل؟
فقالت: أخواي؛ فأضمرها و أسرّها في نفسه و سكت، حتى مرّت به إبل جسّاس، فرأى
الناقة فأنكرها، فقال:
ما هذه الناقة؟
قالوا: لخالة جسّاس؛ قال: أو قد بلغ من أمر ابن السّعديّة أن يجير عليّ بغير إذني!
ارم ضرعها يا غلام. قال فراس: فأخذ القوس فرمى ضرع الناقة فاختلط دمها بلبنها؛ و
راحت الرّعاة على جسّاس فأخبروه بالأمر؛ فقال: احلبوا لها مكيالي لبن بمحلبها و لا
تذكروا لها من هذا شيئا؛ ثم أغمضوا عليها أيضا. قال مقاتل:
حتى أصابتهم
سماء، فغدا في غبّها يتمطّر [10]، و ركب جسّاس بن مرّة و ابن عمه عمرو بن الحارث
بن ذهل- و قال أبو
[6] الندمان:
الذي يرافقك و ينادمك على الشراب، و قد يكون جمعا.
[7] كذا في
أكثر الأصول، و المزدلف لقب عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل و هو ابن عم جساس بن مرة،
لقب به لأنه ألقى برمحه في حرب فقال: ازدلفوا إليه، كما قال ابن دريد، أو لاقترابه
من الأقران في الحروب و ازدلافه إليهم، كما نقله ابن حبيب. (عن «القاموس» و «شرحه»
مادة زلف). و في ب، س: «... و ندمانه ابن عمه عمرو و المزدلف .....» بزيادة واو العطف
سهوا من الطابع.
[10] يتمطر:
يتنزه. و قوله: «في غبها» كذا في الأصول، و لم نجد في «معاجم اللغة» التي بين
أيدينا أن كلمة «غب» و هي بمعنى «بعد» تجرّ بفي. و هذا الاستعمال نفسه ورد في
«اللسان» و «القاموس» و «شرحه» بدون حرف الجر.