خارج، ثم يزعم أنّ هشاما يحمل المدح و لا أحملها! ثم قال: عليّ
بالحاجب، فأتاه. فقال: لا أعلم ما أذنت لطريح و لا رأيته على وجه الأرض؛ فإن حاولك
فاخطفه بالسيف. فلمّا كان العشيّ و صلّيت العصر، جاء طريح للساعة التي كان يؤذن له
فيها، فدنا من الباب ليدخل. فقال له الحاجب: وراءك! فقال: ما لك! هل دخل عليّ وليّ
العهد أحد بعدي؟ قال: لا! و لكن ساعة ولّيت من عنده دعاني فأمرني ألّا آذن لك، و
إن حاولتني في ذلك خطفتك بالسيف. فقال: لك عشرة آلاف [درهم] [1] و أذن لي في
الدخول عليه. فقال له الحاجب: و اللّه لو أعطيتني خراج العراق ما أذنت لك في ذلك،
و ليس لك من خير في الدخول عليه فارجع. قال: ويحك! هل تعلم من دهاني عنده؟
قال الحاجب: لا
و اللّه! لقد دخلت عليه و ما عنده أحد، و لكنّ اللّه يحدث ما يشاء في اللّيل و
النهار. قال: فرجع طريح و أقام بباب الوليد سنة لا يخلص إليه و لا يقدر على الدخول
عليه. و أراد الرجوع إلى بلده و قومه فقال: و اللّه إنّ هذا لعجز بي أن أرجع من
غير أن ألقى وليّ العهد فأعلم من دهاني عنده. و رأى أناسا كانوا له أعداء قد فرحوا
بما كان من أمره، فكانوا يدخلون على الوليد/ و يحدّثونه و يصدر عن رأيهم. فلم يزل
يلطف بالحاجب [2] و يمنّيه؛ حتّى قال له الحاجب: أمّا إذ أطلت المقام فإنّي أكره
أن تنصرف على حالك هذه، و لكنّ الأمير إذا كان يوم كذا و كذا دخل الحمّام، ثم أمر
بسريره فأبرز، و ليس عليه يومئذ حجاب؛ فإذا كان ذلك اليوم أعلمتك فتكون قد دخلت
عليه و ظفرت بحاجتك و أكون أنا على حال عذر. فلمّا كان ذلك اليوم، دخل الحمّام و
أمر بسريره فأبرز و جلس عليه، و أذن للناس فدخلوا عليه، و الوليد ينظر إلى من
أقبل. و بعث الحاجب إلى طريح، فأقبل و قد تتامّ الناس. فلما نظر الوليد إليه من
بعيد صرف عنه وجهه، و استحيا أن يردّه من بين الناس؛ فدنا فسلّم فلم يردّ عليه
السّلام. فقال طريح يستعطفه و يتضرّع إليه: