و أمّا
المدائنيّ فقال: كان الوليد بن يزيد يكرم طريحا، و كانت له منه منزلة قريبة و
مكانة، و كان يدني مجلسه، و جعله أوّل داخل و آخر خارج، و لم يكن يصدر إلّا عن
رأيه. فاستفرغ مديحه كلّه و عامّة شعره فيه؛ فحسده ناس من أهل بيت الوليد. و قدم حمّاد
الراوية على التّفئة [4] الشأم، فشكوا ذلك إليه و قالوا: و اللّه لقد ذهب طريح
بالأمير [5]، فما نالنا منه ليل و لا نهار. فقال حمّاد: ابغوني من ينشد الأمير
بيتين من شعر، فأسقط منزلته. فطلبوا إلى الخصيّ الذي كان يقوم على رأس الوليد، و
جعلوا له عشرة آلاف درهم على أن ينشدهما الأمير في خلوة، فإذا سأله من قول من ذا؟
قال: من قول طريح؛ فأجابهم الخصيّ إلى ذلك، و علّموه البيتين. فلمّا كان ذات يوم
دخل طريح على الوليد و فتح الباب و أذن للناس فجلسوا طويلا ثم نهضوا، و بقي طريح
مع الوليد و هو وليّ عهد؛ ثم دعا/ بغدائه فتغدّيا جميعا. ثم إنّ طريحا خرج و ركب
إلى منزله، و ترك الوليد في مجلسه ليس معه أحد، فاستلقى على فراشه.