أن أبا الهنديّ اشتهى
الصّبوح في الحانة ذات يوم، فأتى خمارا بسجستان في محلّة يقال لها: كوه زيان- و
تفسيره: جبل الخسران- يباع فيها الخمر و الفاحشة، و يأوي إليها كل خارب [4] وزان و
مغنّية [5]، فدخل إلى الخمار فقال له: اسقني، و أعطاه دينارا، فكال له، و جعل يشرب
حتى سكر، و جاء قوم يسألون عنه فصادفوه على تلك الحال. فقالوا للخمّار: ألحقنا به؛
فسقاهم حتى سكروا، فانتبه فسأل عنهم، فعرّفه الخمّار خبرهم،/ فقال له: هذا الآن
وقت السكر، الآن طاب، ألحقني بهم، فجعل يشرب حتى سكر، و انتبهوا فقالوا للخمار:
ويحك! هذا نائم بعد! فقال: لا، و لقد انتبه، فلما عرف خبركم شرب حتى سكر، فقالوا:
ألحقنا به فسقاهم حتى سكروا، و انتبه فسأل عن خبرهم، فعرفه فقال: و اللّه لألحقنّ
بهم، فشرب حتى سكر، و لم يزل ذلك دأبه و دأبهم ثلاثة أيام لم يلتقوا و هم في موضع
واحد، ثم تركوا هم الشرب عمدا حتى أفاق، فلقوه.
و هذا الخبر بعينه يحكي
لواليه بن الحباب مع أبي نواس، و قد ذكر في أخبار والبة، و الصحيح أنه لأبي
الهنديّ، و في ذلك يقول:
ندامى بعد ثالثة
تلاقوا
يضمّهم بكوه زيان راح
و قد باكرتها فتركت
منها
قتيلا ما أصابتني جراح
و قالوا أيّها الخمار
من ذا؟
فقال أخ تخوّنه اصطباح
فقالوا هات راحك
ألحقنا
به و تعلّلوا ثم استراحوا
فما إن لبّثتهم أن
رمتهم
بحدّ سلاحها و لها سلاح
و حان تنبّهي فسألت
عنهم
فقال أتاحهم قدر متاح
رأوك مجدّلا
فاستخبروني
فحرّكهم إلى الشرب ارتياح
فقلت بهم فألحقني فهبّوا
فقالوا هل تنبّه حين راحوا؟
فقال نعم فقالوا
ألحقنا
به قد لاح للرائي صباح
[1]
مفدمة: وصف من فدم الإناء: إذا جعل
عليه الفدام، و هو مصفاة صغيرة، أو خرقة تجعل على فم الإبريق ليصفى بها ما فيه
[2]
القز، بالضم: التباعد من الدنس، و كل
ما يستقذر، يريد أنها فدمت صيانة لها، و محافظة على ما فيها.
[3]
أزب، هو في الأصل: كثير شعر الوجه و
الأذنين، و المراد أنه ذو شعر.