أخبرني الحسن بن يحيى و
ابن أبي الأزهر، عن حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن المدائنيّ، قال:
كانت حبابة جارية يزيد بن
عبد الملك معجبة بغناء ابن عائشة، و كان ابن عائشة حديث السن، فلما طال عهدها به
اشتاقت إلى أن تسمع غناءه، فلم تدر كيف تصنع، فاختلفت هي و سلّامة في صوت لمعبد،
فأمر يزيد بإحضاره و وجّه في ذلك رسولا، فبعثت حبابة إلى الرسول سرّا فأمرته أن
يأتي ابن عائشة و أمير المدينة في خفاء، و يبلغهما رسالتها بالخروج مع معبد سرّا،
و قالت: قل لهما يستران ذلك عن أمير المؤمنين.
فلما قدم الرسول إلى عامل
المدينة أبلغه ما قالت حبابة، فأمر ابن عائشة بالرحلة مع معبد، و قال لمعبد: انظر
ما تأمرك به حبابة فانتبه إليه، فقال: نعم، فخرجا حتى قدما على يزيد، و بلغ الخبر
حبابة فلم تدر كيف تصنع في أمر ابن عائشة. فلما حضر معبد حاكمت سلّامة إليه، فحكم
لها، فاندفعت فغنت صوتا لابن عائشة، و فيه لابن سريج لحن، و لحن ابن عائشة
أشهرهما، و هو:
أشارت بطرف العين
خيفة أهلها
فقال يزيد: يا حبيبتي؛
أنّي لك هذا و لم أسمعه منك، و هو على غاية الحسن؟ إنّ لهذا لشأنا، فقالت: يا أمير
المؤمنين، هذا لحن كنت أخذته عن ابن عائشة، قال: ذلك الصبي! قالت: نعم، و هذا
أستاذه- و أشارت بيدها إلى معبد- فقال لمعبد: أ هذا لحن ابن عائشة أو انتحله؟ فقال
معبد: هذا- أصلح اللّه الأمير- له، فقال يزيد: لو كان حاضرا ما كرهنا أن نسمع منه،
فقال معبد: هو و اللّه معي لا يفارقني، فقال يزيد:/ ويلك يا معبد! احتملنا الساعة
أمرك، فزدتنا ما كرهنا، ثم قال لحبابة: هذا و اللّه عملك، قالت: أجل يا سيدي، قال
لها: هذه الشام، و لا تحتمل لنا ما تحتمله المدينة. قالت: يا سيدي أنا و اللّه أحب
أن أسمع من ابن عائشة، فأحضر، فلما دخل قال له: هات صوتا غنته حبابة:
أشارت بطرف العين
خيفة أهلها
فغنّاه، فقال: هو و اللّه
يا حبابة منه أحسن منك، قالت: أجل يا سيدي، ثم قال يزيد: هات يا محمد ما عندك،
فغنى:
صوت
قف بالمنازل قبل أن
نتفرقا
و استنطق الربع المحيل المخلقا
[1]
هذا الخبر ممّا لم يرد في بولاق، و
ورد في ملحق برنو، و موضعه هنا.