قال: و قال أبو محمد
اليزيديّ يهجو خلفا الأحمر أستاذ [1] الكسائيّ، أنشدنيه عمي الفضل:
زعم الأحمر المقيت
عليّ
و الّذي أمّه تقرّ بمقته
/ أنه علّم الكسائيّ نحوا
فلئن كان ذا كذاك فباسته
يأمر له الرشيد بمال، و
يستعين الغساني على تعجيله فلا يعينه:
و بهذا الإسناد عن أبي
محمد قال:
أمر لي الرشيد بمال و حضر
شخوصه إلى السّن [2]، فأتيت عاصما الغسانيّ- و كان/ أثيرا عند يحيى بن خالد- فقلت
له: إن أمير المؤمنين قد أمر لي بمال، و قد حضر من شخوصه ما قد علمت، فأحبّ أن
تذكّر أبا علي يحيى بن خالد أمره ليعجّله إليّ. فقال: نعم، ثم عدت بعد ذلك بيومين،
فقال لي يتفخّم في لفظه: ما أصبت بحاجتك موضعا. قال: قلت فاجعلها منك- أكرمك
اللّه- ببال.
فلما خرجت لحقني بعض من
كان في المجلس، فقال لي: يا أبا محمد، إني لأربأ بك أن تأتي هذا الكلب أو تسأله
حاجة، قلت: و كيف؟ قال: سمعته يقول- و قد ولّيت- لو أن بيدي دجلة و الفرات ما سقيت
هذا منهما شربة، فقيل له: و لم ذاك- أصلحك اللّه- فإن له قدرا و علما؟ قال: لأنه
من مضر، ما رأيت مضربا قطّ يحب اليمانيّة.
قال: فأحببت ألا أعجل،
فعدت إليه من غد فقلت: هل كان منك- أكرمك اللّه- في الحاجة شيء؟ فقال: و اللّه
لكأنك تطلبنا بدين فتحقّق عندي ما بلغني عنه، فقلت له: لا قضى اللّه هذه الحاجة
على يدك، و لا قضى لي حاجة أبدا إن سألتكها، و اللّه لا سلّمت عليك مبتدئا أبدا، و
لا رددت عليك السّلام إن بدأتني به. و نفضت ثوبي و خرجت.
يستعين بجعفر بن يحيى
على تعجيل المال فيعينه
فإني لأسير و أفكر في
الحيلة لحاجتي إذا براكب يركض حتى لحقني، فقال: بعثني إليك أبو علي يحيى بن خالد
لتقف حتى يلحقك، فرجعت مع رسوله إليه فلقيته، و كان قريبا، فسلّمت عليه ثم سايرته،
فقال لي: إن أمير المؤمنين أمرني أن آمرك بطلب مؤدّب لابنه صالح، فإني أحدّثك
حديثا حدّثني به أبي خالد بن برمك: أنّ الحجاج بن يوسف أراد مؤدّبا لولده، فقيل
له: هاهنا رجل نصرانيّ عالم، و هاهنا مسلم ليس علمه كعلم النصرانيّ، قال: ادعوا لي
المسلم.
/ فلما
أتاه قال: أ لا ترى يا هذا أنّا قد دللنا على نصرانيّ قد ذكروا أنه أعلم منك، غير
أني كرهت أن أضمّ إلى ولدي من لا ينبّههم للصلاة عند وقتها، و لا يدلّهم على شرائع
الإسلام و معالمه؟ و أنت- إن كان لك عقل- قادر على أن تتعلم في اليوم ما يعلمه أولادي
في جمعه، و في الجمعة ما يعلّمهم في الشهر، و في الشهر ما يعلمهم في سنة.
[1]
كذا بالنسخ، و لم نعثر في المراجع
الّتي رجعنا إليها على خبر يدل على أن الكسائي أخذ عن خلف الأحمر. فلعل المراد على
بن الحسن، و يقال: ابن المبارك المعروف بالأحمر، و كان تلميذ الكسائي. و قد ذكر
اليزيدي في البيت الأول أن اسمه علي. (بغية الوعاة، نزهة الألباء، مراتب
النحويين).
[2]
السن: مدينة على دجلة فوق تكريت، يقال
لها: سن بارما.