بني جنّان فإنه يلزمه على
قياسه أن يقول: جنّي إن في جنّان نونين، فإن قال ذلك فقد سوّى بينه و بين المنسوب
إلى الجنّ.
قال: فقال لي المهدي و له:
تناظرا في غير هذا حتى نسمع، فتناظرنا في مسائل حفظ فيها قولي/ و قوله إلى أن قلت
له: كيف تقول: إن من خير القوم أو خيرهم نية زيد؟ قال: فأطال الفكر لا يجيب. فقلت:
لأن تجيب فتخطئ فتتعلم أحسن من هذه الإطالة. فقال: إن من خير القوم أو خيرهم نية
زيدا. قال: فقلت: أصلح اللّه الأمير، ما رضي أن يلحن حتى لحن و أحال. قال: و كيف؟
قلت: لرفعه قبل أن يأتي باسم إنّ، و نصبه بعد رفعه.
فقال شيبة بن الوليد: أراد
بأو- بل، فرفع هذا معنى. فقال الكسائيّ: ما أردت/ غير ذلك فقلت: فقد أخطأ جميعا
أيها الأمير. لو أراد بأو- بل رفع زيدا؛ لأنه لا يكون بل خيرهم زيدا، فقال
المهديّ: يا كسائيّ، لقد دخلت عليّ مع مسلمة النحويّ و غيره، فما رأيت كما أصابك
اليوم. قال: ثم قال: هذان عالمان، و لا يقضي بينهما إلّا أعرابيّ فصيح يلقى عليه
المسائل الّتي اختلفا فيها فيجيب. قال: فبعث إلى فصيح من فصحاء الأعراب. قال أبو
محمد، و أطرقت إلى أن يأتي الأعرابيّ، و كان المهديّ محبّا لأخواله، و منصور بن
يزيد بن منصور حاضر، فقلت:
أصلح اللّه الأمير! كيف
ينشد هذا البيت الّذي جاء في هذه الأبيات:
قال: فقال لي المهديّ: كيف
تنشده أنت؟ فقلت: أو خيرهم نية أبو كرب على إعادة إنّ، كأنه قال: أو إنّ خيرهم نية
أبو كرب. فقال الكسائيّ: هو و اللّه قالها الساعة. قال، فتبسم المهديّ، و قال: إنك
لتشهد له و ما تدري. قال:
ثم طلع الأعرابيّ الّذي
بعث إليه فألقيت عليه المسائل، فأجاب فيها كلّها بقولي، فاستفزّني السرور حتى ضربت
بقلنسيتي الأرض، و قلت: أنا أبو محمد. قال لي شيبة: أ تتكنّى باسم الأمير؟ فقال
المهديّ: و اللّه ما أراد بذلك مكروها، و لكنه فعل ما فعل للظّفر، و قد- لعمري-
ظفر. فقلت: إن اللّه- عزّ و جل- أنطقك أيها الأمير بما أنت أهله، و أنطق غيرك بما
هو أهله.
يتهدده شيبة بن الوليد
فيهجوه في رقاع دسها في الدواوين:
قال: فلما خرجنا قال لي
شيبة: أ تخطّئني بين يدي الأمير؟ أما لتعلمنّ! قلت: قد سمعت ما قلت، و أرجو أن تجد
غبّها، ثم لم أصبح حتى كتبت/ رقاعا عدة، فلم أدع ديوانا إلّا دسست إليه رقعة فيها
أبيات قلتها فيه، فأصبح الناس يتناشدونها، و هي:
[2]
هو يزيد بن ثروان، و يكنى ذا الودعات،
لأنه جعل في عنقه قلادة من ودع و عظام و خزف مع طول لحيته، فسئل فقال: لئلا أضل،
فسرقها أخوه في ليلة و تقلدها، فأصبح هبنقة و رآها في عنقه، فقال: أخي، أنت أنا،
فمن أنا؟ فضرب بحمقه المثل.