مصر، فصحبنا رجل يعرف
بأحمد بن فلان السراج، نسي عبد اللّه بن أبي الشّيص اسم أبيه، فما زال يحدثنا و
يؤانسنا طول طريقنا، و يتولى خدمتنا كما يتولاها الرفقاء و الأتباع. و رأيناه حسن
الأدب، و كان شاعرا، و لم نعلم، و كتمنا نفسه، و قد علم ما قصدنا له فعرضنا عليه
أن يقول في المطّلب قصيدة، ننحله إياها. فقال: إن شئتم، و أرانا بذلك سرورا و
تقبّلا له، فعملنا قصيدة، و قلنا له: تنشدها المطلب فإنك [1] تنتفع بها. فقال:
نعم. و وردنا مصر به، فدخلنا إلى المطّلب، و أوصلنا إليه كتبا كانت معنا، و
أنشدناه. فسرّ بموضعنا، و وصفنا له أحمد السراج هذا، و ذكرنا له أمره، فأذن له،
فدخل عليه و نحن نظن أنه سينشد القصيدة الّتي نحلناه إياها، فلما مثل بين يديه عدل
عنها [2] و أنشده:
لم آت مطّلبا إلّا
بمطّلب
و همة بلغت بي غاية الرّتب
/ أفردته برجاء أن تشاركه
فيّ الوسائل أو ألقاه في الكتب
قال: و أشار إلى كتبي
الّتي أوصلتها إليه و هي بين يديه، فكان ذلك أشدّ من كلّ شيء مر بي منه [3] عليّ،
ثم أنشده:
قال: فصاح مطّلب: لبيك
لبيك: ثم قام إليه فأخذ بيده، و أجلسه معه، و قال: يا غلمان، البدر، فأحضرت، ثم
قال: الخلع، فنشرت، ثم قال: الدواب، فقيدت، فأمر له من ذلك بما ملأ عينه و أعيننا
و صدورنا و حسدناه عليه، و كان حسدنا له بما اتفق له من القبول و جودة الشعر، و
غيظنا بكتمه إيانا نفسه و احتياله علينا أكثر و أعظم، فخرج بما أمر له به، و خرجنا
صفرا.
يوليه المطلب أسوان:
فمكثنا أياما، ثم ولّي
دعبل بن عليّ أسوان، و كان دعبل قد هجا المطلب غيظا منه، فقال: