زرت أبا دلف، فكنت لا أدخل
إليه إلّا تلقاني ببرّه و أفرط، فلما أكثر قعدت عنه حياء منه، فبعث إليّ بمعقل أخيه،
فأتاني فقال لي: يقول لك الأمير: لم هجرتنا؟ لعلك استبطأت بعض ما كان منّي، فإن
كان الأمر كذلك فإني زائد فيما كنت أفعله حتى ترضى، فدعوت من كتب لي، و أمللت عليه
هذه الأبيات، ثم دفعتها إلى معقل، و سألته أن يوصلها، و هي:
قال: فلما سمعها معقل
استحسنها جدا، و قال: جوّدت و اللّه، أما أن الأمير ليعجب/ بمثل هذه الأبيات، فلما
أوصلها إلى أبي دلف قال: للّه درّه! ما أشعره، و ما [2] أرقّ معانيه! ثم دعا
بدواة، فكتب إليّ:
ثم وجّه بهذه الأبيات مع
وصيف يحمل كيسا فيه ألف دينار، فذلك حيث قلت له:
إنما الدنيا أبو دلف
بين باديه و محتضره
يقصد عبد اللّه بن طاهر
ليمدحه، فيرده لغلوه في مدح أبي دلف:
أخبرني عمي قال: حدّثني
أحمد بن أبي طاهر قال: حدّثني أحمد بن القاسم قال: حدّثني نادر مولانا:
أن عليّ بن جبلة خرج إلى
عبد اللّه بن طاهر و إلى خراسان، و قد امتدحه، فلما وصل إليه قال له: أ لست
القائل:
إنما الدنيا أبو دلف
بين باديه و محتضره
فإذا ولّى أبو دلف
ولّت الدنيا على أثره
قال: بلى، قال: فما الّذي
جاء بك إلينا، و عدل بك عن الدنيا الّتي زعمت؟/ ارجع من حيث جئت، فارتحل، و مرّ
بأبي دلف و أعلمه الخبر، فأعطاه حتى أرضاه. قال نادر: فرأيته عند مولاي القاسم بن
يوسف، و قد سأله عن خبره فقال: