ثم أتبعت ذلك بأن قلت:
كانوا أولياءك يا أمير المؤمنين أيام مدحتهم، و في/ طاعتك لم يلحقهم سخطك و لم
تحلل بهم نقمتك، و لم أكن في ذلك مبتدعا، و لا خلا أحد من نظرائي من مدحهم، و
كانوا قوما قد أظلّني فضلهم، و أغناني رفدهم فأثنيت بما أولوا، فقال: يا غلام،
الطم وجهه، فلطمت و اللّه حتى سدرت [2] و أظلم ما كان بيني و بين أهل المجلس، ثم
قال: اسحبوه على/ وجهه، ثم قال: و اللّه لأحرمنّك و لا تركت أحدا يعطيك شيئا في
هذا العام، فسحبت حتى أخرجت، و انصرفت و أنا أسوأ الناس حالا في نفسي و حالي و ما
جرى عليّ، و لا و اللّه ما عندي ما يقيم يومئذ قوت عيالي لعيدهم، فإذا بشابّ قد
وقف عليّ، ثم قال: أعزز عليّ و اللّه يا كبيرنا بما جرى عليك، و دفع إليّ صرّة و
قال: تبلّغ بما في هذه، فظننتها دراهم فإذا هي مائة دينار- قال الصوليّ في خبره:
فإذا هي ثلاثمائة دينار- فقلت له: من أنت جعلني اللّه فداءك! قال: أنا أخوك أبو
نواس، فاستعن بهذه الدنانير و اعذرني، فقبلتها، و قلت: وصلك اللّه يا أخي و أحسن
جزاءك.
كافأه جعفر بن يحيى على
القراءة بعد تركه الشعر
أخبرني الحسن بن عليّ قال:
حدّثنا ابن مهرويه، قال: حدثنا يحيى بن الحسن الرّبيعيّ، قال: حدثنا أبو معاوية
الغلابيّ، قال: قال سفيان بن عيينة:
كلّمني ابن مناذر في أن
أكلّم له جعفر بن يحيى، فكلّمته له، و قد كان ابن مناذر ترك الشّعر، فقال: إن أحبّ
أن يعود إلى الشّعر أعطيته خمسين ألفا، و إن أحبّ أن أعطيه على القراءة أعطيته
عشرة آلاف، فذكرت ذلك له، فقال لي: خذ لي على القراءة، فإني لا آخذ على الشعر و قد
تركته.
أخبرني عمّي عن الكرانيّ،
عن الرياشيّ، قال: قال العتبيّ:
جاءت قصيدة لا يدرى من
قائلها، فقال ابن مناذر:
هذه الدّهماء تجري
فيكم
أرسلت عمدا تجرّ الرّسنا
قال شعرا يصف فيه الألفة
بين الرشيد و جعفر بن يحيى
قال الكرّانيّ: و حدثني
الرّياشيّ قال: سمعت خلف بن خليفة يقول:
قال لي ابن مناذر: قال لي
جعفر بن يحيى: قل فيّ و في الرّشيد شعرا تصف فيه الألفة بيننا فقلت:
قد تقطع الرّحم
القريب و تكفر ال
نّعمى و لا كتقارب القلبين
يدني الهوى هذا و
يدني ذا الهوى
فإذا هما نفس ترى نفسين
قال مؤلف هذا الكتاب: هذا
أخذه من كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم نقلا؛ فإن ابن عيينة روى عن
إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، عن ابن عبّاس: أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «إنّ الرّحم تقطع، و إن
النّعم تكفر، و لن ترى [3] مثل تقارب القلوب».
[1]
الغرانيق جمع غرنوق، و هو طائر مائي،
أو هو الكركي، و المصرصر: المصوت بشدة.