نام کتاب : الشفاء - الطبيعيات نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 172
و المعية التي لها من هذه الجهة هو معنى فوق الدهر، و يشبه أن يكون[1]أحق ما سمى[2]به
السرمد، و كل[3]استمرار وجود بمعنى سلب التغير مطلقا من غير قياس إلى وقت فوقت[4]فهو السرمد، و العجب[5]من
قول[6]من يقول إن الدهر مدة السكون أو زمان غير معدود بحركة، و لا يعقل مدة
و لا زمان ليس فى ذاته قبل و لا بعد، و إذا كان فيه قبل و بعد وجب تجدد حال على ما
قلنا فلم يخل من[7]حركة.
و السكون يوجد فيه التقدم و التأخر، على نحو ما قلنا سالفا لا غير، و
الزمان ليس بعلة لشيء من الأشياء، لكنه إذا كان الشيء مع استمرار الزمان يوجد أو
يعدم و لم نر له[8]علة ظاهرة نسب الناس ذلك إلى الزمان، إذ[9]لم يجدوا هناك مقارنا غير الزمان أ و لم يشعروا به. فإن كان الأمر
محمودا مدحوا الزمان، و إن كان مذموما ذموه. لكن الأمور الوجودية فى أكثر الأمر
ظاهرة العلل، و العدم و الفساد خفى العلة، فإن سبب البناء معقول و سبب الانتقاص و
الاندراس[10]مجهول فى الأكثر. و كذلك إن شئت استقريت جزئيات كثيرة، فيعرض لذلك أن
يكون أكثر[11]ما ينسب إلى الزمان هو من الأمور العدمية[12]الفسادية[13]كالنسيان
و الهرم و الانتقاص و فناء المادة و غير ذلك، فلذلك صار الناس يولعون[14]بذم الزمان و هجوه.
و الزمان له عوارض و أمور تدل عليها ألفاظ، فحرى بنا أن نذكرها و
نعدها، فمن ذلك الآن، و قد يفهم منه الحد المشترك بين الماضى و المستقبل الذي فيه
الحديث لا غيره، و قد يفهم منه كل فصل مشترك و لو فى أقسام الماضى و المستقبل، و
قد يفهم منه طرف الزمان، و إن لم يدل على اشتراك، بل كان صالحا لأن يجعل طرفا
فاصلا فى الوهم غير واصل، و إن كان يعلم من خارج المفهوم إنه لا بد من أن يكون
مشتركا و لا يمكن أن يكون فصلا، و ذلك بنوع من النظر غير تصور معنى لفظه. و قد
يقولون آن لزمان[15]قريب جدا من الآن الحاضر قصير.
و تحقيق سبب هذا القول هو أن كل زمان يحدث عنه فله حدان لا محالة هما
آنان يفترضان[16]فى الذهن له، و إن لم يشعر به. و هذان الآنان يكونان فى الذهن حاضرين
معا لا محالة، لكنه قد يشعر الذهن فى بعض الأوقات بتقدم آن فى الوجود، و تأخر آن[17]، و ذلك لبعد المسافة
بينهما، كما يشعر بالآن المتقدم من آنى الساعة و اليوم، و فى بعضها يكون الآنان من
القريب بحيث لا يشعر الذهن بما بينهما فى أول وهلة، ما لم يستند إلى استبصار،
فيكون الذهن يشعر بهما