نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 6 صفحه : 239
عبادتهم منّة على الخلق، و أمّا في الدّين
فهو أن يرى الناس هالكين و يرى نفسه ناجيا و هو الهالك تحقيقا مهما رأى ذلك قال
النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: «إذا سمعتم الرّجل يقول هلك الناس فهو
أهلكهم»[1] و إنّما قال: ذلك لأنّ هذا القول يدلّ على أنّه مزدر
لخلق اللَّه، مغترّ باللَّه، آمن من مكره، غير خائف من سطوته، و كيف لا يخاف و
يكفيه شرّا احتقاره لغيره، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: «كفى
بالمرء شرّا أن يحقر أخاه المسلم، و كم من الفرق بينه و بين من يحبّه للَّه و
يعظمه لعبادته و يستعظمه و يرجو له ما لا يرجو لنفسه فالخلق يدركون النجاة
بتعظيمهم إيّاه للَّه فهم يتقرّبون إلى اللَّه بالدّنوّ منه و هو يتمقّت إلى
اللَّه بالتنزّه و التباعد منهم كأنّه مرتفع عن مجالستهم، فما أجدرهم إذا أحبّوه
لصلاحه أن ينقلهم اللَّه إلى درجته في العمل و ما أجدره إذا ازدراهم بعينه أن
ينقله اللَّه إلى حدّ الإهمال كما روي أنّ رجلا في بني إسرائيل- يقال له: خليع بني
إسرائيل لكثرة فساده- مرّ برجل آخر يقال له: عابد بني إسرائيل و كانت على رأس
العابد غمامة تظلّه فلمّا مرّ الخليع به فقال الخليع في نفسه: أنا خليع بني
إسرائيل و هذا عابد بني إسرائيل فلو جلست إليه لعلّ اللَّه يرحمني فجلس إليه فقال
العابد في نفسه: أنا عابد بني إسرائيل و هذا خليع بني إسرائيل كيف يجلس إليّ فأنف
منه و قال له: قم عنّي فأوحى اللَّه إلى نبيّ ذلك الزّمان مرهما فليستأنفا العمل
فقد غفرت للخليع و أحبطت عمل العابد، و في حديث آخر فتحوّلت الغمامة إلى رأس
الخليع. و هذا يعرفك أنّ اللَّه تعالى إنّما يريد من العبيد قلوبهم، فالجاهل
العاصي إذا تواضع و ذلّ هيبة للَّه و خوفا منه فقد أطاع اللَّه بقلبه فهو أطوع
للَّه من العالم المتكبّر و العابد المعجب، و كذلك روي أنّ رجلا في بني إسرائيل
أتى عابدا من بني إسرائيل فوطئ على رقبته و هو ساجد فقال له:
ارفع فو اللَّه لا يغفر اللَّه لك، فأوحى
إليه أيّها المتآلي عليّ بل أنت لا يغفر اللَّه لك، و لذلك قيل: و حتّى أنّ صاحب
الصوف أشدّ كبرا من صاحب المطرف الخزّ أي أنّ صاحب الخزّ يذلّ لصاحب الصّوف و يرى
الفضل له و صاحب الصوف يرى الفضل