نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 5 صفحه : 260
كلّ ذلك يظهر الدّعاء و اللّه تعالى مطّلع
عن خبث ضميره و خفيّ قصده و هو لجهله لا يدري أنّه قد تعرّض لمقت أعظم ممّا يتعرّض
له الجهّال إذا جاهروا، و من ذلك الإصغاء إلى الغيبة على سبيل التعجّب به فإنّه
إنّما يظهر التعجّب ليزيد نشاط المغتاب في الغيبة فيندفع فيه فكأنّه يستخرج الغيبة
منه بهذا الطريق فيقول: عجب ما علمت أنّه كذلك، ما عرفته إلى الآن إلّا بالخير و
كنت أحسب فيه غير هذا عافانا اللّه من بلائه، فإنّ كلّ ذلك تصديق للمغتاب و
التصديق للغيبة غيبة بل الساكت شريك القائل قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
و سلّم: «المستمع أحد المغتابين»[1].
و قد روي عن أبي بكر و عمر أنّ أحدهما قال
لصاحبه: إنّ فلانا لنئوم ثمّ طلبا ادما من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و
سلّم ليأكلا مع الخبز فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قد ائتدمتما،
فقالا: لا نعلمه، فقال: بلى إنّكما أكلتما من لحم صاحبكما»[2].
فانظر كيف جمعهما و كان القائل أحدهما و
الآخر مستمع و قال للرّجلين اللّذين قال أحدهما لصاحبه: أقعص الرّجل كما يقعص
الكلب:[3] «انهشا من هذه الجيفة» فجمع بينهما، فالمستمع لا يخرج
من إثم الغيبة إلّا بأن ينكر لسانه و إن خاف فبقلبه و إن قدر على القيام أو قطع
الكلام بكلام آخر فلم يفعله لزمه الإثم، و إن قال بلسانه: اسكت و هو مشته لذلك
بقلبه فذلك نفاق و لا يخرجه عن الإثم ما لم يكرمه بقلبه، و لا يكفي في ذلك أن يشير
باليد أي اسكت أو يشير بحاجبه و جبينه فإنّ ذلك استحقار للمذكور بل ينبغي أن يعظم
ذلك فيذبّ عنه صريحا.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و
سلّم: «من أذلّ عنده مؤمن و هو يقدر على أن ينصره أذلّه اللّه يوم القيامة على
رءوس الخلائق»[4].
و قال أبو الدّرداء: قال النبيّ صلّى اللّه
عليه و آله و سلّم: «من ردّ عن عرض أخيه بالغيب كان
[1] أخرج الطبراني عن ابن عمر قال نهى رسول
اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الغيبة و عن الاستماع إلى الغيبة راجع مجمع
الزوائد ج 8 ص 91.
[2] أخرجه الضياء المقدسي في المختارة عن
أنس كما في الدر المنثور ج 6 ص 95.