ابتلاء و تأكيد لملكة الامتثال عند الظاهريين، و حكم و أسرار خفية
ظاهرة على المحققين.
الخامس:القدح في المعجزة، و سيأتي إن شاء اللّه تعالى).
المنكرون للنبوة منهم من قال باستحالتها، و لا اعتداد بهم، و منهم من
قال بعدم الاحتياج إليها كالبراهمة (جمع من الهند أصحاب برهام) و منهم من لزم ذلك
من عقائدهم كالفلاسفة النافين لاختيار الباري و علمه بالجزئيات، و ظهور الملك على
البشر، و نزوله من السموات، و منهم من لاح ذلك من على أفعاله و أقواله كالمصرين
على الخلاعة و عدم المبالاة، و في التكاليف، و دلالة المعجزات، و هؤلاء آحاد أوباش
من الطوائف، لا طائفة معينة يكون لها ملة و نحلة. و بالجملة للمنكرين شبه:
الأولى:أن البعثة تتوقف على علم المبعوث بأن الباعث هو اللّه تعالى، و لا
سبيل إلى ذلك، و الجواب المنع لجواز أن ينصب دليلا له أو يخلق علما ضروريا فيه.
الثانية:و هي للبراهمة أن ما جاء به النبي إما أن يكون موافقا للعقل حسنا
عنده، فيقبل و يفعل، و إن لم يكن نبيا أو مخالفا له قبيحا عنده فيرد و يترك، و إن
جاء به النبي و أيا ما كان لا حاجة إليه، فإن قيل: لعله لا يكون حسنا عند العقل، و
لا قبيحا، قلنا:
فيفعل عند الحاجة لأن مجرد الاحتمال لا يعارض تنجز الاحتياج، و يترك
عند عدمها للاحتياط، و الجواب: أن ما يوافق العقل قد يستقل بمعرفته فيعاضده النبي
و يؤكده.
بمنزلة الأدلة العقلية على مدلول واحد. و قد لا يستقل، فيدله عليه و
يرشده، و ما يخالف العقل قد لا يكون مع الجزم فيدفعه النبي أو يرفع عنه الاحتمال،
و ما لا يدرك حسنه و لا قبحه قد يكون حسنا يجب فعله أو قبيحا يجب تركه، هذا مع أن
العقول متفاوتة، فالتفويض إليها مظنة التنازع و التقاتل و مفض إلى اختلال النظام،
و أن فوائد البعثة لا تنحصر في بيان حسن الأشياء و قبحها على ما تقدم.
- أحد بقوله: أنا، و قيل العقل: جوهر روحاني خلقه اللّه تعالى متعلقا
بالبدن، و قيل العقل نور في القلب يعرف الحق و الباطل، و قيل العقل: جوهر مجرد عن
المادة يتعلق بالبدن تعلق التدبير و التصرف و قيل العقل. قوة النفس الناطقة، و
اللّه أعلم.