الثالثة:أن العمدة في باب البعثة هي التكليف، و هو عبث لا يليق بالحكيم، إذ
لا يشتمل على فائدة للعبد لكونه في حقه مضرة ناجزة و مشقة ظاهرة، و لا للمعبود
لتعاليه عن الاستفادة و الانتفاع، و أيضا فيه شغل للقلب عما هو غاية الأعمال و
نهاية الكمال، أعني الاستغراق في معرفته، و الغناء في عظمته، و الجواب: أن مضاره
الناجزة قليلة جدا بالنسبة إلى منافعها الدنيوية و الأخروية الظاهرة لدى الواقفين
على ظواهر الشريعة النبوية فضلا عن الكاشفين عن أسرارها الخفية، و إذا تأملتم
فالتكليف صرف إلى ما ذكرتم لا شغل عنه على ما توهمتم.
الرابعة:و هي لأهل الخلاعة المنهمكين في اتباع الهوى و ترك الطاعة أنا نجد
الشرائع مشتملة على أفعال و هيئات لا يشك في أن الصانع الحكيم لا يعتبرها و لا
يأمر بها كما نشاهد في الحج، و الصلاة، و كغسل بعض الأعضاء لتلوث بعض آخر، إلى غير
ذلك من الأمور الخارجة عن قانون العقل، و الجواب: أنها أمور تعبدية اعتبرها الشارع
ابتلاء للمكلفين، و تطويعا لنفوسهم و تأكيدا لملكة[1]امتثالهم الأوامر و النواهي. و لعل فيها حكما و مصالح لا يعلمهاإِلَّا اللَّهُ
وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ[2]و
قد أشار إليها بعض الخائضين في بحار أسرار الشريعة.
الخامسة:القدح في ثبوت المعجزة و وجه دلالتها و نقلها سيأتي بأجوبتها.
[1]الملكة: هي صفة راسخة في النفس، و
تحقيقه أنه تحصل للنفس هيئة بسبب فعل من الأفعال، و يقال لتلك الهيئة كيفية
نفسانية و تسمى حالة ما دامت سريعة الزوال فإذا تكررت و مارستها النفس حتى رسخت
تلك الكيفية فيها و صارت بطيئة الزوال فتصير ملكة، و بالقياس إلى ذلك الفعل عادة و
خلقا.
[2]سورة آل عمران آية رقم 7 و تكملة
الآيةيَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما
يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ.