طريق الحق و سبيل النجاة و الرشاد مع اشتغالهم باكتساب أسباب المعاش،
و خلو أكثرهم عن صناعة النظر و حذاقة الذهن، و على الفلاسفة المتشبثين بأذيال
العقل العدول عن الصواب و الوقوع في الضلال مع رجاحة عقولهم، و دقة أنظارهم، و
إقبالهم بالكلية على البحث عن المعارف الإلهية و العلوم اليقينية، و أنت خبير بأن
في ترويج أمثال هذا المقال توسيع مجال الاعتزال، فإنهم لا يعنون بالوجوب على اللّه
تعالى سوى أن تركه لقبحه مخل بالحكمة، و مظنة لاستحقاق المذمة، فالحق أن البعثة
لطف من اللّه تعالى و رحمة يحسن فعلها و لا يقبح تركها على ما هو المذهب في سائر
الألطاف، و لا تبتنى على استحقاق من المبعوث و اجتماع أسباب و شروط فيه، بل اللّه
تعالى يختص برحمته من يشاء من عباده و هو[1]أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ.
قال: و للمنكرين.
(شبهإحداها:أنها تتوقف على علم المبعوث بأن الباعث هو اللّه تعالى، و لا سبيل
إليه، و رد بجواز نصب الأدلة، أو خلق العلم الضروري ..
الثاني:أنها عبث، لأن ما حسن عقلا يفعل، و ما قبح يترك، و ما لم يحسن و لا
يقبح يفعل حسب المصلحة، و رد بأنها تعاضد العقل فيما يستقل، و تعاونه فيما لا
يستقل، و تدفع الاحتمال فيما يظن، و تكون الطريق فيما لا يدرك مع أن التفويض إلى
العقول المتفاوتة مظنة اختلال النظام.
الثالث:أن مبناها على التكليف بما لا ينتفع به العبد لتضرره، و لا المعبود
لتعاليه مع ما فيه من شغل السر عن التوجه التام، و رد بأن نفعه جدا غالب.
الرابع:ان في الشرائع ما يشعر بأنها ليست من عند اللّه كأفعال الصلاة، و الحج،
و الوضوء، و الغسل، و غير ذلك من الأمور الخارجة عن قانون العقل[2]، و رد بأنها
[1]سورة الأنعام آية رقم 124 و تكملة
الآيةسَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عَذابٌ
شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ.
[2]العقل: جوهر مجرد عن المادة في ذاته
مقارن لها في فعله و هي النفس الناطقة التي يشير إليها كل-