الأنبياء، فيجب على اللّه تعالى عند المعتزلة لكونه لطفا و صلاحا
للعباد، و عند الفلاسفة لكونه سببا للخير العام المستحيل تركه في الحكمة[1]و العناية الإلهية، و إلى هذا ذهب جمع من المتكلمين بما وراء النهي،
و قالوا: إنها من مقتضيات حكمة الباري (عز و جل) فيستحيل ان لا يوجد لاستحالة
السفه عليه. كما أن ما علم اللّه وقوعه يجب أن يقع لاستحالة الجهل عليه، ثم طولوا
في ذلك و عولوا على ضروب من الاستدلال مرجعها إلى ما ذكرنا من لزوم السفه و العبث
كما في خلق الأغذية، و الأدوية التي لا تتميز عن السموم المهلكة إلا بتجارب لا
يتجاسر عليها العقلاء، و لا يفي بها الأعمار، و خلق الأبدان التي ليس لها بدون
الغذاء إلا الفناء، و خلق نوع الإنسان المفتقر في البقاء إلى اجتماع لا ينتظم بدون
بعثة الأنبياء، و كخلق العقل المائل إلى المحاسن، النافر عن القبائح، الجازم بأن
شرفه و كماله في العلم بتفاصيل ذلك، و العمل بمقتضياتها من الامتثال و الاجتناب، و
أنه لا يستقل بجميع ذلك على التفصيل، بل يفتقر إلى بيان ممن أوجدها و دعا إلى
الإتيان بالبعض منها، و الانتهاء عن البعض كالمجمل من الخطاب، فإن خلق العقل مائلا
إلى المحاسن، نافرا عن القبائح بمنزلة الخطاب في كونه دليلا على الأمر و النهي اللذين
هما من الصفات القائمة بذاته تعالى، إذ لا معنى لهما سوى الدعوة إلى المباشرة و
الامتناع، و كما في جعل بعض الأفعال بحيث قد يحمد عاقبته، فيجب.
و قد يذم، فيحرم، كالصوم مثلا، فلو لم يكن له بيان من الشارع لكان في
ذلك إباحة ترك الواجب، و إباحة مباشرة المحظور و هو خارج عن الحكمة، فظهر بهذه
الوجوه، و أمثالها أنه لا بد من النبي البتة[2]، و لهذا كان في كل عصر
للعقلاء نبي أو من يخلفه في إقامة الدليل السمعي، و كان الغالب على المتمسكين
بالشرائع سلوك
[1]الحكمة: علم يبحث فيه عن حقائق
الأشياء على ما هي عليه في الوجود بقدر الطاقة البشرية فهي علم نظري غير آلي، و
الحكمة أيضا هي هيئة القوة العقلية العلمية المتوسطة بين الغريزة التي هي إفراط
هذه القوة، و البلادة التي هي تفريطها. و الحكمة: تجيء على ثلاثة معان. الأول
الإيجاد، و الثاني العلم. و الثالث الأفعال المثلثة كالشمس و القمر و غيرهما و قد
فسر ابن عباس- رضي اللّه عنهما الحكمة في القرآن بتعلم الحلال و الحرام، و قيل:
الحكمة فى اللغة: العلم مع العمل و قيل الحكمة يستفاد منها ما هو الحق في نفس
الأمر بحسب طاقة الإنسان، و قيل كل كلام وافق الحق فهو حكمة.