حقيقته،
فهل هو أمر اعتباري مغاير للتلبية و الالتزام بترك الأُمور المعلومة و أنه
مغاير لحكم الشارع بحرمة الأُمور المعهودة، فهو نظير الطّهارة المترتبة
على الوضوء، أم أنه عبارة عن التلبية؟ و غير خفي أنّ المتحقق في الخارج ليس
إلّا عزم المكلف على ترك المحرمات المعلومة، و التلبية، و حكم الشارع
بحرمة هذه الأُمور، و ليس وراء هذه الأُمور الثلاثة شيء آخر يسمّى
بالإحرام.
أمّا العزم على ترك المحرمات و توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة فقد التزم الشيخ الأنصاري{1}بل المشهور بأنه حقيقة الإحرام، و لذا ذكروا أنه لو بنى على ارتكاب شيء من المحرمات بطل إحرامه لعدم كونه قاصداً للإحرام.
و يردّ: بأن ما ذكر لا يستظهر من شيء من الأدلّة، و لذا لو حج شخص و هو
غير عالم بالمحرمات صحّ حجّه و إحرامه، فالبناء و العزم على الترك ليس من
مقومات الإحرام، و أمّا المحرمات المعهودة فهي أحكام شرعيّة مترتبة على
الإحرام.
و الذي يظهر من الروايات أن التلبية سبب للإحرام و حالها حال تكبيرة
الإحرام للصلاة، فهي أوّل جزء من أجزاء الحج، كما أن التكبيرة أوّل جزء من
أجزاء الصلاة و بالتلبية أو الإشعار يدخل في الإحرام و يحرم عليه تلك
الأُمور المعلومة و ما لم يلب يجوز له ارتكابها، و الروايات في هذا المعنى
كثيرة. منها: صحيحة عبد الرحمََن بن الحجاج«في الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلبّ، قال: ليس عليه شيء»{2}فإنها
تدل بوضوح على أنه ما لم يلب لا يترتّب على الجماع شيء، و هذا يكشف عن
عدم تحقق الإحرام قبل التلبية، إذ لا معنى لأنّ يكون محرماً و مع ذلك يجوز
له الجماع، فالمراد من قوله: «بعد ما يعقد الإحرام» عقد القلب على الإحرام و
العزم و البناء عليه.
{1}نسب في المستمسك 11: 358 هذا القول إلى الشهيد فراجع.