ثمّ إنّ تطرّق الشدّة والضعف إلى الإرادة فإنّما هو في الإرادة الحيوانية والإنسانية ; لكون التطرّق المذكور من شؤون المادّة ، وهما في أفعالهما مادّيان ، ولكن لا يمكن ذلك في المبادئ العالية . فظهر أنّ الحقّ المتّبع هو عدم إمكان بقاء الجواز والرجحان .
الموضع الثاني : في مقتضى الأدلّة بعد فرض إمكانه ، وفي دلالة الناسخ أو المنسوخ عليه وعدمها .
ربّما يقال : إنّ القدر المتيقّن من دليل الناسخ إنّما هو رفع خصوص جهة الإلزام ، وفيما عداها يؤخـذ بدليل المنسوخ ويحكم بمقتضاه باستحباب الفعل ، نظير ما إذا ورد دليل على وجوب شيء ودليل آخر على عدم وجوبه ، فكما أ نّه يجمع بينهما ويؤخذ بظهور دليل الوجوب في مطلق الرجحان فليكن المقام كذلك[ 1 ] ، انتهى .
ولكن التحقيق خلاف ما اُفيد ; لما مرّ من أنّ الأمر ليس ظاهراً إلاّ في نفس البعث ، وأ مّا الإلزام فإنّما يفهم من دليل آخر ; وهو حكم العقلاء على أنّ بعث المولى لا يترك بغير جواب . وقد مرّ[ 2 ] أيضاً أنّ الأمر عندهم تمام الموضوع لوجوب الطاعة ، إلاّ أن يقوم دليل على الترخيص .
فحينئذ فليس للأمر إلاّ ظهور واحد ، فمع قيام الدليل على النسخ لا يبقى له ظهور ، بل هذا هو الحال لو فرض ظهور في الإلزام وضعاً ; إذ ليس له على
[1] بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 413 . [2] تقدّم في الصفحة 204 ـ 205 .