نام کتاب : بحوث في الملل والنّحل نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 4 صفحه : 140
مضافاً إلى ما ورد في السفر لطلب الرزق
، فلو كان الحكم عاماً ، فما معنى هذه التخصيصات الكثيرة الوافرة الّتي تنافي
البلاغة ، والّتي تزلزل الحصر ، وهناك كلمة قيّمة للغزالي في إحياء العلوم يقول :
« القسم الثاني هو أن يسافر لأجل
العبادة إمّا لحج أو جهاد .. ويدخل في جملة زيارة قبور الأنبياء عليهمالسلام وزيارة قبور الصحابة والتابعين وسائر
العلماء والأولياء ، وكل من يتبرك بمشاهدته في حياته ، يتبرك بزيارته بعد وفاته ،
ويجوز شد الرحال لهذا الغرض ، ولا يمنع من هذا قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: « لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد
الأقصى » لان ذلك في المساجد ، فإنّها متماثلة ( في الفضيلة ) بعد هذه المساجد ،
وإلاّ فلا فرق بين زيارة قبور الأنبياء والأولياء والعلماء في أصل الفضل ، وإن كان
يتفاوت في الدرجات تفاوتاً عظيماً بحسب اختلاف درجاتهم عند اللّه [١].
تحليل آخر للنهي عن السفر
ولنفترض أنّ المستثنى منه هو الأمكنة ،
ولكن المتبادر من الحديث أن يكون الدافع إلى السفر هو تعظيم ذلك المكان ، فيختص
النهي بما إذا أُريد من شد الرحال إلى مكان ، تعظيمه ولو بإيقاع العبادة فيه ،
وعندئذ يخرج السفر إلى زيارة النبي عن منطوق الحديث ، لأنّه لا يسافر لتعظيم بقعته
، وإنما يسافر لزيارة من فيها مثل ما لو كان حياً. ويؤيد ذلك أمران :
١ ـ روي عن بعض التابعين أنّه سأل ابن
عمر أنّه يريد أن يأتي الطور ، فأجابه : إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد ... ودع
الطور فلا تأته [٢].
٢ ـ أفتى الجمهور بأنّه لو نذر أن يأتي
مسجداً من المساجد سوى الثلاثة
[١] كتاب إحياء علوم
الدين للغزالي ج ٢ ص ٢٤٧ ، كتاب آداب السفر ، طبعة دار المعرفة بيروت.