انّ هذه الأُمور تارة تلاحظ بما أنّها أُمور تكوينية موجودة في النفس الإنسانية، وتعدّ من حالاتها، وأُخرى بما أنّها موضوعات يمكن أن تتعلّق بها الأحكام الشرعية.
فعلى الأوّل: فهي أُمور قلبية لا تنالها يد الجعل التشريعي وضعها ولا رفعها، فوجودها وعدمها تابع لواقعها الخارجي، فالإنسان حسب الواقع إمّا ناس أو غير ناس، إمّا خاطئ أو غير خاطئ ومثله الأُمور الباقية.
وأمّا على الثاني: فوجود الخطاء في التشريع عبارة عن كونه موضوعاً لأثر شرعي، وعدمه عبارة عمّـا إذا لم يكن موضوعاً له، فهذه الأُمور بما هي هي، ليست مطلوبة للشارع بذاتها، بل بما هي موضوعات للأحكام، فإذا كان نسيان الجزء خلواً من الأثر، والقتل الخطئي فاقداً لحكم القصاص أو كان الحكم الشرعي غير منجَّز في ظرف الجهل، يصحّ للشارع الذي ينظر إلى هذه الأُمور بما هي موضوعات الأحكام، أن ينفي وجودها من رأسها، لأنّ وجودها عنده ليس إلاّ كونها متعلّقات الأحكام، ولا ينظر إليها من حيث هي هي، فالخطأ إذا لم يكن ذا أثر وكذلك النسيان والجهل، صحّ للشارع الناظر إليها من جانب الطريقية أنّها غير موجودة في محيط التشريع، كما صحّ له أن يدعي في مورد الضرر والحرج، بأنّه لا ضرر ولا حرج، فإنّ الضرر الموجود عنده عبارة من الضرر التوأم مع الحكم، فعدم التوأمية نفس القول بعدم الضرر والموضوع عنده.
فإن قلت: أليس هذا قولاً بأنّ المرفوع هو الآثار لا نفس هذه الأُمور، وأنّ الرفع لم يتعلّق بذواتها، وإنّما تعلّق بآثارها، فكيف تقول بأنّه يصحّ الرفع بلا تقدير.