ثمّ إنّ المحقّق الخراساني أورد على التعاريف الثلاثة الأُول بأنّواحداً منها لا يمكن أن يتعلّق بها النهي (لكونها ملازمة للصحّة الفعلية).
يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره إنّما يتّم في التعريف الأوّل، فإنّ ماله الأمر فعلاً يكون صحيحاً، فلا يصحّ تعلّق النهي به والكلام في العبادة التي يصحّ تعلّق النهي بها، وأمّا الأخيران فيصحّ تعلّق النهي بالعبادة المفسرة بهما، وذلك لأنّ ما يتوقّف صحّته على النيّة أو مالا يعلم انحصار المصلحة فيه لا يلازم الصحّة الفعلية حتى لا يصحّ تعلّق النهي به، والحقّ انّ المراد من العبادة في المقام هو ما ذكره المحقّق الخراساني في الشقّ الثاني من عبارته، وهو: مالا يسقط أمره على فرض تعلّقه به إلاّ إذا أتى به بوجه قربي فخرجت التوصليّات لأنّها أُمور تسقط لو لم يأت به كذلك، وا لمراد من المعاملات العقود والإيقاعات، التي تتّصفان بالصحّة تارة وبالفساد أُخرى.
بحث استطرادي
قد عرفت ما هو المقصود من العبادة في مصطلح الأُصوليين في المقام ، بقي هناك بحث و هو بيان المقصود من العبادة في القرآن؟
أقول: العبادة في القرآن التي لا يجوز الإتيان بها إلاّ للّه، لقوله سبحانه:(إِيّاكَ نَعْبُدُ) (الحمد/5) هي القول أو العمل الحاكي عن الخضوع القلبي أمامَ من نعتقد أنّه إله خالقٌ أو ربٌّ مدبِّر أو من بيده مصير الإنسان عاجلاً وآجلاً.
فلو كان المخضوع له إلهاً حقيقياً وربّاً واقعياً، كان مصير الإنسان بيده حقيقة فالعبادة حقّه والخاضع موحِّد، وأمّا لو كان إلهاً أو ربّاً كاذباً ولم يكن مصير الإنسان بيده، فالعبادة عبادة لغير صاحبها، والعابد مشرك.
و لأجل ذلك تتّصف عبادة الموحّدين بالعبادة الحقّة، وعبادة المشركين