وليس المقام منه قطعاً، وإنّما هو من قبيل نفي الدليل الأوّل بالدليل الثاني.
وإن شئت قلت: إنّه لا دليل على بقاء الجواز، فإنّ الدليل إمّا هو المنسوخ، والمفروض أنّه ارتفع. وإمّا هو الناسخ، والمفروض أنّ مفاده منحصر في رفع الوجوب لا إثبات أمر آخر.
وأمّا الثاني أعني اثبات الجواز بالاستصحاب فنقول:
لو فرضنا قصور الدليل الاجتهادي عن إثبات الجواز، فهل يصحّ التمسك في إثبات الجواز بالاستصحاب أو لا؟
الظاهر، لا. لأنّ الجواز الجامع بين الأحكام الأربعة، أمر عقلي ينتزعه العقل من البعث إلى المأمور به ، الكاشف عن الإرادة الحتمية، الكاشفة عن جوازه عند المولى، فلا يكون حكماً شرعياً قابلاً للاستصحاب، إذ يعتبر فيه أن يكون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي.
أضف إليه ما أفاده المحقّق الخراساني من أنّه من قبيل القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي، لأنّ المتيقّن لنا هو الجواز في ضمن الوجوب، والمفروض انتفاؤه، فبقاء الجواز لا يمكن إلاّ بإقامة فرد آخر من الأحكام مقام الوجوب، كالاستحباب والإباحة، ومعه لا يصحّ الاستصحاب، لعدم اتّحاد القضيتين عند العقل والعرف.
وليست الإباحة بالنسبة إلى الوجوب من قبيل نسبة المرتبة الضعيفة إلى الشديدة، حتّى يصحّ استصحابها. والاستصحاب وإن كان بالنسبة إلى الوجوب من هذا القبيل عند العقل، إلاّ أنّهما متباينان عند العرف الذي هو المتّبع في هذه الميادين.[ 1 ]