إليهم إنّما تدفعون بحرابكم من لا عقل له
بزجره، فأمّا من جعلته ممكنا مميّزا فكلوه إلى عقله الذي جعلته حجّة عليه فان أطاع
استحقّ ثوابي و جزائي، فتركوها و لم يتعرضوا لها بعد ما همّوا بمنعها بحرابهم،
فظنت أنّ اللّه ما نهيهم، لأنّه قد أحلّها بعد ما حرمها، فقالت صدقت الحيّة و ظنّت
أنّ المخاطب بها الحيّة، فتناولت منها و لم تنكر من نفسها شيئا، فاتت حواء إلى آدم
فصارت عونا للشّيطان عليه، و قالت ألم تعلم أنّ الشّجرة المحرّمة علينا قد ابيحت
لنا تناولتها و لم يمنعني منه أملاكها و لم انكر شيئا من حالي، و لذلك اغترّ آدم
فقام آدم معها إلى الأكل من الشجرة فكانت أوّل قدم مشت إلى الخطيئة، فلما مدّ
أيديهما إليها تطاير ما عليهما من الحليّ و الحلل و بقيا عريانين فأخذا من ورق
التين فوضعاه على عورتيهما، فتطاير الورق فوضع آدم يده على عورته و الأخرى على
رأسه كما هو شأن العراة.
و يستفاد من
بعض الاخبار أنّ هذا هو العلّة في وجوب الوضوء، و هو ما رواه الصّدوق طاب ثراه في
الفقيه قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه 6 فسألوه عن
مسائل و كان فيما سألوه أخبرنا يا محمّد لأيّ علّة توضّأ هذه الجوارح الأربع و هي
أنظف المواضع في الجسد؟ قال النبيّ 6: لمّا أن وسوس الشّيطان
إلى آدم 7 دنا من الشّجرة فنظر إليها فذهب ماء وجهه، ثمّ قام و مشى
اليها و هي أوّل قدم مشت إلى الخطيئة، ثمّ تناول بيده منها ما عليها فأكل فطار الحلّي
و الحلل عن جسده، فوضع آدم يده على امّ رأسه و بكى فلمّا تاب اللّه عزّ و جلّ عليه
فرض عليه و على ذريّته تطهير هذه الجوارح الأربع، فأمر اللّه بغسل الوجه لما نظر
إلى الشجرة، و أمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول بهما، و أمره بمسح الرّأس
لما وضع يده على أمّ رأسه و أمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة و قد ذكر
فيه علّة اخرى له رواها عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا 8 و لا ربط
لها بالمقام، و لا يذهب عليك أن توارد العلل المتعددة على معلول واحد في العناوين
الشّرعية لا ضير فيه، لأنّها من قبيل المعرفات و ليست عللا حقيقية كما هو ظاهر