و رابعها أنّ
الجنّة التي هى دار الثواب لا يفنى نعيمها، لقوله تعالى:
أُكُلُها
دائِمٌ وَ ظِلُّها و لقوله تعالى: وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي
الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها الى أن قال: عَطاءً غَيْرَ
مَجْذُوذٍ.
أى غير
مقطوع، فهذه الجنّة لو كانت هي التي دخلها آدم لما فنيت، لكنها تفنى لقوله تعالى:
كُلُّ
شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.
و لما خرج
منها آدم و انقطعت تلك الرّاحات و خامسها أنّه لا يجوز في حكمته تعالى أن يبتدء
الخلق في جنّة يخلدهم فيها و لا تكليف لأنّه لا يعطى جزاء العاملين من ليس بعامل،
و لأنّه تعالى لا يهمل عباده بل لا بدّ من ترغيب و ترهيب و وعد و وعيد.
و سادسها لا
نزاع في أنّ اللّه تعالى خلق آدم في الأرض و لم يذكر في هذه القصّة أنّه نقله إلى
السّماء. و لو كان تعالى قد نقله إلى السّماء كان ذلك أولى بالذّكر، لأنّ نقله من
الأرض إلى السّماء من أعظم النّعم، فدلّ ذلك على أنّه لم يحصل، و ذلك يوجب أنّ
المراد من الجنّة التي قال اللّه له اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ^.
جنّة اخرى
غير جنّة الخلد.
القول
الثّاني و هو قول الجبائي أنّ تلك الجنّة كانت في السّماء السّابعة، و الدليل عليه
قوله تعالى: اهبطوا منها، ثم انّ الاهباط الأوّل كان من السّماء السّابعة إلى
السّماء الاولى، و الاهباط الثّاني كان من السّماء إلى الأرض.
القول الثالث
و هو قول جمهور أصحابنا إن هذه الجنّة هي دار الثواب و الدّليل عليه أنّ الألف و
اللّام في لفظ الجنّة لا يفيد العموم، لأنّ سكون جميع الجنان