جاعل، بل هو من لوازم هويته النّازلة في
آخر مراتب النّفوس و هي المتعلّقة بما دون الأجرام السّماوية و هو الجسم النّاري
الشديدة القوّة فلا جرم غلبت عليه الانانيّة و الاستكبار و الافتخار و الاباء عن
الخضوع و الانكسار.
و اما
الشبهة الثانية و هي السؤال عن حكمة التّكليف بالمعرفة و الطاعة
، فالجواب
عنها أنّ الغاية في ذلك تخليص النّفوس من اسر الشّهوات و سجن الظلمات و نقلها من
حدود البهيميّة و السبعيّة إلى حدود الانسانية و الملكيّة و تطهيرها و تهذيبها
بنور العلم و قوّة العمل من درن الكفر و المعصية و رجس الجهل و الظلمة، و لا ينافي
عموم التكليف عدم تأثيره في النّفوس الجاشية و القلوب القاسية، كما أنّ الغاية في
إنزال الغيث إخراج الحبوب و إنبات الثّمار و الأقوات منها[1]
و عدم تأثيره في الصّخور القاسية و الأراضي الخبيثة لا ينافي عموم النّزول، و
اللّه أجل من أن تعود إليه فائدة في هداية الخلق كما في إعطائه أصل خلقه بل هو
الذي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى.
من غير غرض
أو عوض في فضله وجوده.
و اما
الشبهة الثالثة و هي السّؤال عن فايدة تكليفه بالسّجود لآدم و الحكمة فيه،
فالجواب عنها
أولا أنّه ينبغي أن يعلم أن للّه سبحانه في كلّ ما يفعله أو يأمر به حكمة بل حكما
كثيرة لأنّه تعالى منزّه عن فعل العبث و الاتفاق و الجزاف و إن خفى علينا وجه
الحكمة في كثير من الامور على التّفصيل بعد أن علمنا القانون الكلي في ذلك على
الاجمال، و خفاء الشيء علينا لا يوجب انتفائه، و هذا يصلح للجواب عن هذه الشبهة و
نظايرها.
و ثانيا أنّ
التكليف بالسّجود كان عامّا للملائكة و كان هو معهم في ذلك
[1] كقطر الماء فى الاصداف درّ و فى بطن الافاعى صار سما ج.« 5»