الوقت فعمه الأمر بها تبعا و بالقصد
الثّاني، لكنه لما تمرّد و عصى و استكبر و أبى بعد ما اعتقد بنفسه أنّه من
المأمورين صار مطرودا ملعونا.
و ثالثا أنّ
الأوامر الالهيّة و التّكاليف الشّرعيّة ما يمتحن به جواهر النّفوس و يعلن ما في
بواطنهم و يبرز ما في مكان صدورهم من الخير و الشّر و الشّقاوة فتتمّ به الحجّه و
تظهر المحجة لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ
عَنْ بَيِّنَةٍ.
و اما
الشبهة الرابعة و هي السّؤال عن لمّة تعذيب الكفار و المنافقين و ايلامهم بالعقوبة
و إبعادهم عن دار الرّحمة و الكرامة،
فالجواب عنها
أنّ العقوبات الاخرويّة من اللّه تعالى ليس باعثها الغضب و الانتقام و إزالة الغيظ
و نحوها تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا، و إنّما هي لوازم و تبعات ساق إليها
أسباب داخليّة نفسانيّة و أحوال باطنيّة انتهت إلى التعذيب بنتائجها من الهوى إلى
الهاوية و السقوط في أسفل درك الجحيم و مصاحبة الموذيات من العقارب و الحيّات و
غيرها و مثالها في هذا العالم الأمراض الواردة على البدن الموجبة للأوجاع و
الأسقام بواسطة نهمة سابقة، فكما أنّ وجع البدن لازم من لوازم ما ساق إليه الأحوال
الماضية و الأفعال السّابقة من كثرة الأكل أو إفراط الشّهوة و نحوهما من غير أن
يكون هاهنا معذّب خارجيّ، فكذلك حال العواقب الاخرويّة و ما يوجب العذاب الأليم
الدّائم لبعض النفوس الجاحدة للحقّ المعرضة عن الآيات و هي نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ و أما الّتي دلّت عليه الأخبار و
الآيات الواردة في الكتب الالهيّة و الشّرايع الحقّة من العقوبات الجسمانية
الواردة على بدن المسيء من خارج على ما يوصف في التّفاسير فهي أيضا منشاها أمور
باطنية و هيئات نفسانية برزت من