فانّي انا اللّه لا اله إلّا أنا لا أسأل
عمّا أفعل.
قال الفخر
الرّازي بعد حكاية ذلك: و اعلم أنّه لو اجتمع الأوّلون و الآخرون من الخلايق و
حكموا بتحسين العقل و تقبيحه لم يجدوا عن هذه الشّبهات مخلصا و كان الكلّ لازما،
أمّا اذا أجبنا بذلك الجواب الذي ذكره اللّه تعالى زالت الشّبهات و اندفعت
الاعتراضات، و كيف لا، و كما أنّه سبحانه واجب الوجود في ذاته واجب الوجود في
صفاته فهو مستغن في فاعليّته عن المؤثرات المرجحات إذ لو افتقر لكان فقيرا لا
غنيّا فهو سبحانه مقطع الحاجات و منتهى الرّغبات و من عنده نيل الطلبات، و إذا كان
كذلك لم تتطرق اللميّة إلى أفعاله و لم يتوجه الاعتراض على خالقيّته انتهى.
قال الصّدر
الشّيرازي في كتابه المسمّى بمفاتيح الغيب بعد ذكره شبهات إبليس و جوابه سبحانه و
ذكره ما حكيناه عن الرّازي: أقول: إنّ لكلّ من هذه الشبهات جوابا برهانيّا صحيحا
واضحا عند أصحاب القلوب المستقيمة، لابتنائه على الاصول الحقة العرفانية في
المقدمات الاضطرارية اليقينية لكن الجاحد المعوج لا ينفعه كثرة البراهين النّيرة،
و إنّما يسكته الجواب الجدلي المشهور المبني على المقدمات المقبولة التي يذعن بها
الجمهور، و ليس معنى قوله تعالى لا اسأل عمّا افعل أنّه ليس لما فعله مبدء ذاتي و
غاية عقليّة و مصلحة حكميّة، كما هو مذهبهم من إبطال العلّية و المعلوليّة و إنكار
العلاقة الذّاتية بين الأسباب و مسبّباتها و تجويز ترجيح أحد المتساويين في
النّسبة على الاخر و تمكين المجازات الاختيارية و الارادات التّخييليّة بل المراد
أحد معنيين.
الأوّل أنّه
لا لميّة للفعل الصّادر عن ذاته من غير واسطة سوى ذاته و إنّما ذاته هو منشأ الفعل
المطلق و غايته و كما لا سبب لذاته في وجوده لا سبب لذاته في ايجاده و إلّا لكان
ناقصا في ذاته مستكملا بغيره تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
الثّاني أنّ
من ليس له درجة الارتقاء إلى عالم الملكوت و الوصول إلى شهود المعارف الالهيّة و
إدراك الحضرة الرّبوبيّة فلا يمكنه العلم بكيفيّة الصّنع و الايجاد