أقول: و يتوجه على الأوّل منع كون الزكاة
اسما للواجب فقط، بل هو كساير أسامي العبادات موضوع للواجب و المندوب كليهما، و
إلّا لزم أن يكون للمندوبات اسم تختصّ به وراء أسامي الواجبات، و هو خلاف ما اتّفق
عليه الكلّ إذ لم نطلع إلى الآن على أحد يفرّق بين الواجب و المندوب في الاسم، و
لم نجد للمندوبات أسامي مستقلّة غير أسماء الواجبات في كتبهم الفقهية و الأصوليّة،
و لا في شيء من الكتاب و السنّة، و كون الزكاة في الآية واجبة من حيث تعلّق الأمر
بها لا يدلّ على كون مطلق التّسمية للواجب، إذ التّسمية مقدّمة على الحكم ذاتا و
رتبة فلا دلالة فيها على أنّ كلّ ما كان زكاة فهو واجب و لو في غير مقام تعلّق
الأمر كما في الآية التي نحن بصددها، و كما في قولنا الزّكاة عبادة، و نحو ذلك، و
على فرض التنزل و المماشاة نمنع كون تأخير أدائها عن وقت الوجوب مطلقا معصية إذ
ربّما يجوز تأخيرها لعدم وجود المستحقّ، أو لعذر آخر و لا إثم على ذلك بوجه، بل
يجوز التّأخير مع العزل أيضا على مذهب البعض، بل و مع عدم العزل أيضا إلى شهرين
على مذهب أبي حنيفة و غيره من العامة، و كيف كان فلا خفاء في فساد ما توهّمه.
و على
الثّاني أنّ استغراق القلب بالذكر فى الصلاة إنما ينافي التّوجه إلى الامور
الدّنيوية الشّاغلة عن الذكر، و أمّا إعطاء الخاتم للفقير المستحقّ ابتغاء لمرضاته
سبحانه و التّوجه إلى سؤاله فلا ينافي الاستغراق، بل هو عين الذكر.
يعطي و يمنع لا تلهيه سكرته
عن النّديم و لا يلهو عن الكاس
أطاعه سكره حتّى تمكّن من
فعل الصّحات فهذا أفضل النّاس
و لو كان
مطلق التوجّه إلى الغير منافيا للاستغراق لم يتصوّر ذلك في حقّ النبيّ 6 مع أنّه قد حصل ذلك في حقّه كما يدلّ عليه: ما استدلّ به الشّافعيّ على
جواز التّنبيه في الصّلاة على الحاجة بتسبيح و نحوه، بأنّ عليّا 7 قال:
كانت لي ساعة أدخل فيها على رسول اللّه 6، فان كان في الصّلاة
سبّح و ذلك إذنه، و إن كان في غير الصّلاة، أذن، و ما استدلّ به أبو حنيفة على عدم
جواز ردّ جواب