العصا و اليد البيضاء، و أمّا مع عدم
الانحصار فلا تتوفّر الدّواعي عليه، كأكثر معجزاته لم يتوافر بعد.
فان قلت:
سلّمنا عدم انحصار معجزته فيه و لكنّه أظهر المعجزات و أقويها و آكدها فتوفّر
الدّواعي عليه.
قلت: إنّ
الاعجاز كما يحصل بالجميع كذلك يحصل بالبعض، إذ المناط في الاعجاز هو الفصاحة و
البلاغة و غرابة الاسلوب و حسن النّظم، و هي باقية بحالها لم تتغيّر و لم تتبدّل،
فلا يخرجه وقوع التّحريف فيه عن كونه دليلا للنّبوة و الرّسالة، بل لو فرض و
العياذ باللّه سقوط جميع آياته عن الاعجاز لكفانا فيه قوله:
وَ
أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ
فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ
إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فانّها مع اختصارها
و وجازتها مشتملة على أمرين و نهيين و خبرين و بشارتين.
و حكى أن
بعضهم سمع بدويّة تنشد أبياتا، فقال لها: للّه درّك ما أفصحك، فقالت:
الفصاحة للّه
و ذكرت هذه الآية، و قوله سبحانه:
وَ قِيلَ
يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي وَ غِيضَ الْماءُ وَ قُضِيَ
الْأَمْرُ وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ- الآية) لأنّها مشتملة على وجوه عديدة[1] من الفصاحة يقطع معها بأنّها خارجة
عن
[1] منها قوله و قيل فانه يدل على انه سبحانه فى الجلال و العلو
و العظمة بحيث لا يتبادر الذهن من القائل الا اليه و لا يتوجه الفكر الا الى ان
ذلك القائل هو هو و منها مخاطبة الارض و السماء بما يخاطب به العاقل فان فيه اشارة
الى انهما مع كونهما جمادا فى مقام الخضوع و الانقياد و قبول الامر التكوينى مثل
العقلاء فى قبول الامر التكليفى و ان حكمه نافذ فيهما و انهما مقهور ان مغلوبان
تحت قدرته و قهره مع ما هما عليه من الشدّة و القوة و العظمة، و منها ما فى قوله و
قضى الامر من الدلالة على ان كل ما قضى به و قدره سبحانه فى الازل فصار حتما و
قدرا لازما لا محالة يكون واقعا و انه لا راد لقضائه و لا مانع من نفاذ حكمه فى
ارضه و سمائه، و منها حسن تقابل الالفاظ و ايتلاف المعنى، و منها حسن البيان فى
تصوير الحال، و منها الايجاز من غير اخلال الى غير هذه من الوجوه التي لا يخفى على
المتدبر منه