يتركوهم هاملين
(بغير طريق واضح) يوصل إلى مقام القرب و الزلفى (و لا علم قائم) بينهم ينجي بهم عن ورطة
الهلاكة و الرّدى أقول: قد عرفت في الفصل السّادس عشر أنّ بعث الأنبياء و الحجج
: إنّما هو لأن يدعوا الخلق إلى الحقّ بالحكمة و الموعظة الحسنة، و
ليكونوا سببا لانتظام أمر معاشهم و معادهم، لمكان ما جاءوا به من القانون العدل و
الشّرع السّواء، و لأجل ذلك مست الحاجة على أن يأتوا من عنده سبحانه بكتاب باق و
علم قائم بعد انقراض قرن النبي المبعوث إلى زمن مجيء بعث النبيّ الاخر، ليكون
تذكرة لهم، وكيلا يندرس آثار النبوّة من الأرض و لا تنقطع بفقدانهم، و لا يكون
الخلق ينسون ما ذكروا به و غافلين و كالهمل من الحيوان يعملون ما يشتهون، أو
كالهمج الرّعاع لكلّ ناعق يصغون، و لمّا كان شرع نبينا 6
مستمرّا إلى يوم القيامة وجب له أن يخلّف لمن يليه ما يكون ذكرى و تذكرة في هذه
المدّة المتطاولة و قد خلّف الثقل الأكبر مضافا إلى الثقل الاصغر و هو حبل ممدود
من السماء إلى الارض ينجى به من المهالك و من فارقه فهالك و بيّن فيه الحلال و
الحرام و الحدود و الأحكام و جميع ما يحتاج إليه النّاس كملا، و كما جعله اللّه
سبحانه خاتما للأنبياء فقد جعل كتابه خاتما للكتب، فلا كتاب بعده أحلّ فيه حلالا و
حرّم حراما، فحلاله حلال إلى يوم القيامة و حرامه حرام إلى يوم القيامة فيه شرعكم
و خبر من قبلكم و خبر من بعدكم و هو (كتاب ربّكم) و جعله النبي 6 علما باقيا و طريقا قائما بين امّته
حالكونه (مبيّنا حلاله و حرامه) كما قال تعالى:
أَحَلَّ
اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا و قد يجعل الحلال أعمّ من المباح و المكروه
ليكون ذلك مع قوله 7: (و فضائله و فرائضه) إشارة إلى الأحكام
الخمسة التي عليها مدار الفقه، ليكون الفضائل إشارة إلى المندوبات، و الفرائض
إشارة إلى الواجبات، و ذلك مثل قوله سبحانه: