و منها أنّه
لا شيء أقبح عند العقل من نبي رفع اللّه درجته و ائتمنه على وحيه و جعله خليفة في
بلاده و عباده يسمع نداء ربه أن لا تفعل كذا فيقدم عليه ترجيحا للذته و غير ملتفت
إلى نهى ربّه و لا منزجر بوعيده هذا معلوم القبح بالضرورة.
و منها أنّه
لو لم يكونوا معصومين لانتفت فايدة البعثة و اللّازم باطل فالملزوم مثله، بيان
الملازمة أنّه إذا جازت المعصية عليهم لم يحصل الوثوق بصحة قولهم لجواز الكذب
حينئذ عليهم، و إذا لم يحصل الوثوق لم يحصل الانقياد لأمرهم و نهيهم فينتفي فائدة
بعثتهم و هو محال هذا.
و قد ذكروا
أدلة كثيرة وراء ما ذكرنا عليك بمطالبتها من مواقعها.
فان قلت:
غاية ما يستفاد من تلك الأدلة هو كونهم معصومين بعد البعثة على ما ذهب إليه
الأشاعرة و طائفة من المعتزلة. و لا دلالة فيها على وجوب العصمة قبلها أيضا كما هو
مذهب الشّيعة.
قلنا: إذا
تمّت دلالتها على ما بعد البعثة فنقول فيما قبل البعثة: إنّ من الواضح أنّ القلوب
تشمئز و لا ينقاد إلى طاعة من عهد منه في سالف عمره أنواع المعاصي و الكبائر و ما
تنفر النّفس عنه، ألا ترى أن عالما لم يكن له مبالاة في أفعاله و أقواله قبل
تحصيله و في أيّام صغره، لا يكون له وقع في القلوب بعد ما كمل و بلغ من العلم و
الكمال غايته.
إذا مهدت هذا
فنقول: ما ورد في الكتاب العزيز و الأخبار مما يوهم صدور الذّنب عنهم الذي جعله
الخصم دليلا على مذهبه لا بدّ من حمله على ترك الأولى جمعا بينها و بين أدلة
العصمة العقليّة و النّقليّة مع أنّ جميع الأدلة الموهمة لخلاف العصمة قد ذكر له
وجوه و محامل في مواضعه و عليك في ذلك بمطالعة كتاب تنزيه الأنبياء الذي رتّبه علم
الهدى المرتضى رضي اللّه عنه و غيره من الكتب المعدة لذلك، و لو لا خوف الاطالة
لذكرنا نبذة منه إلّا أنّه لا بأس بذكر ما يوهم ذلك في قصة