و التحقيق - حسبما يؤدّي إليه النّظر الدّقيق - أنّ حال المستعمل فيه و الموضوع له فيها حالهما في الأسماء، و ذلك لأنّ الخصوصيّة المتوهّمة: إن كانت هي الموجبة لكون المعنى المتخصّص بها جزئيّا خارجيّا، فمن الواضح أن كثيرا ما لا يكون المستعمل فيه فيها كذلك (20)، بل كلّيّا، و لذا التجأ بعض الفحول«»إلى جعله جزئيّا إضافيّا، و هو كما ترى.
إرادة الرّجل الشجاع من لفظ «أسد» في قول القائل: «رأيت أسدا يرمي»، و سيأتي ما يصلح دليلا لهذا القول مع دفعه. و التحقيق هو الثاني، كما سيأتي. (20) قوله: (فمن الواضح أنّ كثيرا ما لا يكون المستعمل فيه فيها كذلك.). إلى آخره. كما في الحروف الواقعة في تلو الأوامر و النواهي و ما في معناهما غالبا، مثل: «سر من البصرة إلى الكوفة»، إذ لا شكّ في حصول الامتثال من أيّ نقطة من البصرة ابتدأ المسير و إلى أيّ نقطة من الكوفة انتهى، فلو كان المستعمل فيه خاصّا لم يحصل الامتثال في غير ذلك الخاصّ، و لو كان الموضوع له خاصّا مع فرض المستعمل فيه عامّا حتّى لا ينافي ما ذكر، للزم التجوّز، و هو خلاف ما نراه في استعمالاتنا العرفيّة. و كذلك إذا وقعت في تلو الإخبارات الحاليّة و الاستقباليّة في الغالب، كما لا يخفى، و ذلك يكشف عن كون كلٍّ من الأمرين في الحروف عامّا. نعم يصحّ دعوى الجزئيّة في الإخبارات الماضية، مثل قول القائل: «سرت من البصرة»، إذ السير الواقع لا بدّ من كونه متشخّصا حسب القاعدة المسلّمة: «الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد» فلا محالة يكون الابتداء المراد من لفظة «من» جزئيّا حقيقيّا، و كذا في النادر ممّا وقع في تلو الطلب مثل: «كن في مكانك»، و في تلو