و ممّا ذكرنا من حكم العقل بلزوم متابعة العلم الذي من مصاديقه مورد الاشتغال و بعدم لزوم متابعة غير العلم الذي من مصاديقه مورد البراءة و بعض موارد التخيير ظهر ما في كلام الشيخ (قدّس سرّه) من قوله: «فإن حصل له الشك فالمرجع هي القواعد المقرّرة شرعا ... الخ» فإنّ غير الاستصحاب لا يكون هناك قاعدة شرعية كما عرفت تفصيلا و اللّه العالم.
قال الشيخ (قدّس سرّه): لا إشكال في وجوب متابعة القطع و العمل عليه ما دام موجودا لأنه بنفسه طريق الى الواقع ... الخ.
[معنى وجوب متابعة القطع]
و اعلم أنّ لوجوب متابعة القطع معنيين: (أحدهما) أنّ القاطع بنفسه يرى وجوب متابعة القطع شرعا لا بما هو متابعة القطع، بل المتابعة التي بالحمل الشائع الصناعي يصدق أنها متابعة.
و الحاصل: أنّ هذا الوجوب مركب من امور ثلاثة: الأول اختصاصه بالقاطع. الثاني اختصاصه بالوجوب الشرعي لا العقلي. الثالث تعلّق هذا الوجوب بما هو بالحمل الشائع متابعة.
و لا يخفى أنه على هذا يصير المعنى أنّ القاطع بالوجوب يقطع به فيصير توضيحا للواجب، و يكون التعليل بقوله (قدّس سرّه): «لأنه بنفسه طريق الى الواقع» تعليل للواضح.
(ثانيهما) أنّ كل عاقل أعمّ من أن يكون هو القاطع أو غيره يحكم بلزوم متابعة القطع عقلا بما هو متابعة بعنوانها، و معنى حكم العقل بلزوم المتابعة هو أنّ هذا الحكم لو كان ثابتا في الواقع و نفس الأمر لكان منجزا على القاطع، بمعنى
- المتمكّن في فعله لا يوجب إسناد المخالفة إليه بحيث يمكن أن يخاطبه بأنك خالفت الواقع، لأنّ له أن يجيبه: انّي ما خالفت الواقع قطعا.
و الحاصل: أنه حيث كان الكلام في حكم العقل بتنجّز الواقع بالعلم، فنحن نرى بالوجدان أنه لا يحكم إلّا فيما اذا كان موافقة الواقع ممكنا عقلا قطعا لا احتمالا، و المفروض في المقام أنّ حصول ذلك القطع غير ممكن كما لا يخفى، فتأمل جيدا. (المقرّر).