إذا عرفت هذه الجهات، حان وقت الكلام حول مقتضى الأصل عند الشكّ في قاطعيّة شيء حكما، ثمّ الشكّ فيها موضوعا:
أمّا الأوّل: فحيث قد عرفت أنّ القاطعيّة بالقياس إلى الهيئة الاتصاليّة، غير متصوّرة إلّا على وجه الادعاء البعيد جدّا عن الأخبار و الأدلّة، و لو فرضنا ذلك فمقتضى البراءات الثلاث عند الشكّ في اعتبار قاطعيّة شيء، عدم جواز العقوبة على ترك المأمور به لأجل إيجاد القاطع، إلّا إذا قلنا: بأنّ الشكّ المزبور يوجب الشكّ في وجود الهيئة الاتصاليّة، و اتصاف المأمور به بها، فعندئذ تصحّ العقوبة العقليّة و العقلائيّة؛ للزوم إحراز تلك الهيئة التي تنعدم عند وجود القاطع، و تكون البراءة الشرعية من الأصل المثبت، كما عرفت توضيحه في التنبيه السابق.
اللهمّ إلّا أن يقال بما سلكناه من رجوع البراءة إلى تقييد الأدلّة الأوّلية، كما يستشمّ من «الكفاية» في بعض المسائل الماضية هنا [1]. و أمّا القاطعيّة بالقياس إلى انتزاع عنوان العبوديّة، ففي النظرة الاولى تجري؛ لأنّ حقيقة القاطع هي المضادّة مع الوجود على الوجه المحرّر، و إذا شكّ في ذلك يكون الإجزاء قهريّا، و القاطعيّة مرفوعة.
اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ مقتضى النظرة الثانية، اعتبار كون المأتيّ به في باب المركّبات العباديّة، صالحا لانتزاع عنوان العبوديّة، و عند الشكّ يلزم الشكّ في حصول ذلك الأمر الانتزاعيّ اللازم، و تصير النتيجة هي الاشتغال.