بقي أمر آخر: و هو حلّ مشكلة فعليّة الأحكام المندرسة
قد مضى في خلال المباحث السابقة: أنّ من الأحكام الفعليّة ما أبلغه المبلِّغ (صلى اللَّه عليه و آله و سلم) [1] و لكنّه لأجل الحوادث الكونيّة دفن و اضمحلّ.
و يشكل أمر فعليّتها، لامتناع ترشّح الإرادة و البعث و الزجر من العالم بتلك الحوادث، و بقاء القانون و الحكم.
و لكن تنحلّ هذه المعضلة أيضا، لأنّ الحكم قانونيّ، و لا يخصّ بزمان دون زمان، فربّما في عصر الحجّة (عجّل اللَّه تعالى فرجه) يبرز ذلك القانون، و يطّلع المكلّفين عليه، و كونه في معرض العمل في ذلك العصر، يكفي لبعث الأمّة كلّها نحو العمل به، فيكون فعليّا بالنسبة إلينا، إلاّ أنّا معذورون في التخلّف عنه، و اللَّه الهادي.
إيقاظ: حول حلّ المشكلة من ناحية اعتبار التكاليف ديونا على العهدة
ربّما يتخيّل أنّ حقيقة التكليف، ليست إلاّ اعتبار اشتغال الذمّة بالطبيعة، و الواجبات ليست إلاّ في عهدة المكلّفين، و هكذا في ناحية الترك [2]، فعلى هذا- مضافا إلى عدم لزوم اجتماع المثلين، و لا الضدّين، و لا المفاسد الأُخر- تنحلّ المعضلة الرئيسة، فإنّه لا منع من كون الصلاة مثلا على عهدة المكلّف، كالديون الوضعيّة، و مع ذلك يرخّص المولى- حسب ترخيص الأخذ بالطرق و الأمارات- في عدم لزوم الإفراغ.
و هكذا في ناحية الأصول، فإنّ الذمّة مشغولة بترك الخمر دينا، و هذا لا ينافي الترخيص في ارتكاب الخمر، فإنّ ما هو الدين هو ترك الخمر، و هذا أمر وضعي،