فالذي هو المفروغ عنه بين النحاة [1] و اللغويّين [2] هو التركّب، و لأجل ذلك لم يذكروها في اللغة إلاّ في كلمة «ما» الداخلة على «إنّ» الموجبة، لكفّها عن العمل، و تكون هي مثل «أنّما» بالفتح و «ليتما» و «لعلّما» في عدم إفادتها الحصر، و لا تفيد إلاّ التوكيد.
و قال أبو حيّان: «و في ألفاظ المتأخّرين من النحويّين و بعض أهل الأصول:
أنّها للحصر، و كونها مركّبة من «ما» النافية دخل عليها «إنّ» التي للإثبات فأفادت الحصر، قول ركيك فاسد صادر عن غير عارف بالنحو» [3] انتهى.
و الّذي هو التحقيق في هذه المرحلة: أنّها بسيطة بحسب الوضع، و إرجاع الكلمات البسيطة إلى المركّبات أمر ذوقيّ ليس من الواقعيّات، فيكون وضعها شخصيّا لا نوعيّا، و تخصّ بالوضع الخاصّ، بخلاف سائر المركّبات.
و على هذا، فما اشتهر بينهم من التركيب بمعنى عدم اختصاص كلمة «إنّما» أو «أنّما» و أمثالهما بالوضع، في غير محلّه، و المسألة من هذه الجهة واضحة عند أهلها.
و تعرّض اللغويّين في مادّة «ما» لكلمة «إنّما» و إن يشهد على عدم إفادتها الحصر أحيانا، و لكنّه لا يشهد على بساطتها بحسب أصل اللغة، فافهم و اغتنم. و من هنا يسقط ما في «الكفاية» [4] و غيره [5] من التمسّك بتصريح أهل اللغة بذلك كما لا يخفى.