الولاية في الأنبياء علمهم بالأحكام و هو
متحقّق في العلماء و فيه بعد تسليم ذلك أنّه لا يجدي إلّا بعد دعوى القطع بعدم
دخالة التّفاوت في مقدار العلم و كيفيّته و أنّى له بذلك ثمّ إنّ المراد بقوله ص و
إنّ الأنبياء لم يورّثوا إلى آخره إنّ الأنبياء ليس بناؤهم على جمع المال حتّى
يبقى بعدهم و يرثوه الورثة عنهم كما في سائر آحاد النّاس بل بناؤهم على نشر العلم
و الأحاديث و ترويج الأحكام كي ينتفع به النّاس مثل ما ينتفع الوارث من مال مورّثه
فلا نظر فيه إلّا أنّه لو اتّفق منهم ترك المال و بقي منهم الدينار و الدّرهم بما
ذا يعمل فيه يرثه ورثته مثل سائر النّاس أم لا فلا يرتبط مضمون هذا الحديث بمضمون
الحديث المجعول لأجل غصب فدك و أخذه من يد فاطمة عليها السّلام نحن معاشر الأنبياء
لا نورّث ما تركناه صدقة حتّى يكون شاهدا عليه كما قد يتوهّم و يشهد للمعنى الّذي
ذكرناه ما أرسله الكراجكي عن أمير المؤمنين ع العلم أفضل من المال بسبعة الأوّل
أنّه ميراث الأنبياء و المال ميراث الفراعنة الحديث حيث أنّ ميراث الفراعنة قد
يختصّ بالمال ضرورة إمكان توريثهم العلم أيضا فالمراد منه توريث المال من حيث
البناء و الغلبة فيعلم بالمقابلة أنّ المراد من توريث الأنبياء العلم إنّما هو
بحسب البناء و الغلبة قوله و إنّ العلماء أمناء الرّسل أقول نظره في ذلك إلى ما رواه السّكوني عن أبي عبد اللَّه عليه
السّلام قال قال رسول اللَّه ص الفقهاء أمناء الرّسل ما لم يدخلوا في الدّنيا قيل
يا رسول اللَّه و ما دخولهم في الدّنيا قال اتّباع السّلطان فإذا فعلوا ذلك
فاحذروهم على دينكم تقريب الاستدلال بذلك أنّ الأمين من فوّض عليه حفظ ما كان
للمؤمّن و قضيّة حذف المتعلّق عمومه للولاية و معنى حفظ العالم للولاية إعمالها
كما أنّ إفسادها ترك العمل بها و لا نعني من ولاية العلماء إلّا هذا المعنى و فيه
ما مرّ في الجواب عن الرّواية الأولى إذ قوله فاحذروهم على دينكم يصلح قرينة على
كون المراد من متعلّق الأمانة هو خصوص الدّين و الأحكام الشّرعيّة فلا يعمّ
الولاية قوله و قوله ع مجاري الأمور إلى آخره أقول هذا بعض ما رواه مرسلا في تحف العقول عن سيّد الشّهداء عليه
آلاف التّحيّة و الثّناء و لا بأس بنقل الخبر مع طوله لتوقّف الخدشة في دلالته على
الاطّلاع على بعض فقراته قال في الكتاب المزبور و روي عن الإمام التّقي السّبط
الشّهيد أبي عبد اللَّه الحسين بن عليّ عليه السّلام في طوال هذه المعاني من كلامه
ع في الأمر بالمعروف و يروى عن أمير المؤمنين عليه السّلام اعتبروا أيّها النّاس
بما وعظ اللَّه به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ عَنْ
قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ و قال
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ
إلى قوله لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ و إنّما عاب اللَّه ذلك عليهم لأنّهم كانوا يرون من الظّلمة الّذين
بين أظهرهم المنكر و الفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم و
رهبة ممّا يحذرون و اللَّه يقول فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ
وَ اخْشَوْنِ و قال
الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
فبدأ اللَّه بالأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنّها إذا أدّيت
و أقيمت استقامت الفرائض كلّها هيّنها و صعبها و ذلك أنّ الأمر بالمعروف و النّهي
عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع ردّ المظالم و مخالفة الظّالم و قسمة الفيء و
الغنائم و أخذ الصّدقات من مواضعها و وضعها في حقّها ثمّ أنتم أيّتها العصابة
عصابة بالعلم مشهورة و بالخير مذكورة و بالنّصيحة معروفة و باللَّه في أنفس النّاس
مهابة يهابكم الشّريف و يكرمكم الضّعيف و يؤثركم من لا فضل لكم عليه و لا يدلكم
عنده تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلّابها و تمشون في الطّريق بهيئة الملوك و
كرامة الأكابر أ ليس كلّ ذلك إنّما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحقّ اللَّه و
إن كنتم عن أكثر حقّه تقصّرون فاستخففتم بحقّ الأئمّة فأمّا حقّ الضّعفاء فضيّعتم
و أمّا حقّكم بزعمكم فطلبتم فلا مالا بذلتموه و لا نفسا خاطرتم بها للّذي خلقها و
لا عشيرة عاديتموها في ذات اللَّه أنتم تتمنّون على اللَّه جنّته و مجاورة رسله و
أمانا من عذابه لقد خشيت عليكم أيّها المتمنّيون على اللَّه تعالى أن تحلّ بكم
نقمة من نقماته لأنّكم بلغتم من كرامة اللَّه منزلة فضّلتم بها و من يعرف باللَّه
لا تكرمون و أنتم في عباد اللَّه تكرمون و قد ترون عهود الله
منقوضة فلا
تفزعون و أنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون و ذمّة رسول اللَّه ص محقورة و العمى و
البكم و الزّمن في المدائن مهملة لا ترحمون و لا في منزلتكم تعملون و لا من عمل
فيها تعينون و بالادهان و بالمصانعة عند الظّلمة تأمنون كلّ ذلك ممّا أمركم به من
النّهي و التّناهي و أنتم عنه غافلون و أنتم أعظم النّاس مصيبة لما غلبتم عليه من
منازل العلماء و لو كنتم تسعون ذلك بأنّ مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء
باللَّه و الأمناء على حلاله و حرامه فأنتم المسلوبون تلك المنزلة و ما سلبتم ذلك
إلّا بتفرّقكم عن الحقّ و اختلافكم في السّنة بعد البيّنة الواضحة و لو صبرتم على
الأذى و تحمّلتم المئونة في ذات اللَّه كانت أمور اللَّه عليكم ترد و عنكم تصدر و
إليكم ترجع و لكنّكم مكّنتم الظّلمة من منزلتكم و استسلمتم أمور اللَّه في أيديهم
يعملون بالشّبهات و يسيرون في الشّهوات سلّطهم على ذلك فراركم من الموت و إعجابكم
بالحياة الّتي هي مفارقتكم فأسلمتم الضّعفاء في أيديهم فمن بين مستعبد مقهور و بين
مستضعف على معيشة مغلوب يتقلّبون في الملك بأدائهم و يستشعرون الخزي بأهوائهم
افتداء بالأشرار و جرأة على الجبّار في كلّ بلد منهم على منبره خطيب يسقع فالأرض
لهم شاغرة و أيديهم فيها مبسوطة و النّاس لهم حول لا يدفعون يد لامس فمن بين جبّار
عنيد و ذي سطوة على الضّعفة شديد مطاع لا يعرف المبدئ المعيد فيا عجبا و بالي لا
أعجب و الأرض من غاش