نام کتاب : رسائل شيخ اشراق نویسنده : شيخ اشراق جلد : 4 صفحه : 58
يتكثّر، و قد بيّنا امتناع تكثّر ما يجب وجوده، فواجب الوجود
إذا[1] لم يكن جسما و لا جسمانيّا
فهو فائم بالذات، بريء عن الأحياز و الجهات.
(42) طريقة أخرى: نقول قد صحّ لك أنّ الأجسام كثيرة[2]،
و يلزمها من ضرورة النّهاية شكل و مقدار، و لا بدّ من افتراقها بالهيئات. فلو كانت
الهيئات تقتضيها الجسميّة بما هي جسميّة، لاتّفقت الأجسام في المقادير و الأشكال و
الهيئات، لاتّفاقها[3] في
الجسميّة، و ليس كذا[4]. و إذا لم
يقتضها مجرّد الجسميّة، و لا قيام لها- أي للأجسام- إلّا بمخصّصاتها، و لا
للهيئات[5] إلّا
بحواملها، فجميعها ممكنة محتاجة إلى واجب الوجود بذاته و لا يكون حينئذ واجب
الوجود جسما و لا جسمانيّا، و إلّا لكان حاله حال سائر الأجسام.
(43) طريقة أخرى[6]: هي[7] أنّ الحركات ظاهرة، و الحركات لا
تقتضيها نفس الجسميّة و إلّا لكان كلّ جسم متحرّكا و لكانت الحركات غير مختلفة، و
ليس كذا؛ فلا بدّ للأجسام من[8] مبدأ
للحركة، فهو إن كان واجبا فهو المطلوب[9]؛
و إن كان ممكنا[10] فينتهي
إلى واجب الوجود بذاته و يلزم حينئذ أن يكون هو غير متغيّر و لا متحرّك. و هذه
الطريقة استعملها إبراهيم الخليل في معرفة الصانع[11]
في قوله: «لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ»[12] و
أيضا في احتجاجه ب «فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ
بِها مِنَ الْمَغْرِبِ»[13] فهذا مثنى.
(44) طريقة أخرى: نقول قد صح لك وجود النفس الناطقة البشرية؛ و قد
بيّنّا أنّها حادثة مع البدن فهي ممكنة الوجود، مفتقرة إلى مرجّح و لا يكون
مرجّحها الجسم، إذ لا يفيد الشيء وجود ما هو أشرف منه، فمرجّحها إن كان واجب
الوجود فهو المطلوب[14]، و إن كان
من الممكنات فتنتهي السلسلة إلى واجب الوجود بذاته.
(45) و نقول: النّفس حيّة بذاتها، و مدركة لذاتها، و لا يصح أن يكون
إدراكها لذاتها