الا انّ الانصاف: عدم تمامية هذه
المناقشة، و ذلك لانّ عنوان اللياقة و الشأنية أو السفه و السرف لو كان واردا في
لسان دليل الاستثناء أمكن ان يقال بأنّ فعل كل راجح شرعي لائق بالمؤمن منه شرعا و
عرفا، فيكون مشمولا لاطلاق الاستثناء، الا انّ هذا لم يرد في لسان الدليل و انما
الوارد استثناء المئونة، و المئونة متقومة عرفا بان يكون الصرف محتاجا إليه بمرتبة
من الاحتياج و اللزوم و الاولوية العرفية و الّا لم يكن مئونة، فهذا المفهوم على
حد سائر المفاهيم العرفية لا بدّ و ان يكون الاحتياج الملحوظ فيه مما يراه العرف و
يفهمه، و لو في طول كون الانسان متدينا و ملتزما بشريعة و دين، و مجرد كون شيء
راجحا شرعا أو حسنا في نفسه لا يكفي لصدق الاحتياج العرفي و المئونية على ذلك
الفعل ما لم يكن بحسب المناسبة و حالة الفرد لازما و أولى بشأنه و حاله، و لو كان
على تقدير صدوره منه حسنا و راجحا في نفسه، نظير من يفعل المستحب أو الواجب المهم
و يترك الواجب الأهم فانّ فعله و ان كان صحيحا و مستحبا في نفسه و لكنه لا يعتبر
صرفه عليه مئونة، لعدم كونه لازما حتى متشرعيا، فاللزوم و الشأنية المأخوذ في
مفهوم المئونة لغة و عرفا، أو الانصراف المتقدم ذكره عن مثل هذه المصارف بحسب
مناسبات الحكم و الموضوع عرفا و ارتكازا يمنعان عن الاطلاق في دليل استثناء
المئونة اذا فرض انّ العمل المستحب كان زائدا على شأنه، بمعنى أنه خلاف الأولوية
العرفية و الشرعية المترقبة من مثله، و هذا يعني انّ القيد المأخوذ في المئونة ليس
مجرد عدم الاسراف و السفه الممنوعين شرعا، بل القيد أوسع من ذلك، فيشمل كل ما يكون
غير مناسب و خلاف الاولى و المناسب مع شأن المكلف عرفا أو شرعا و ان كان على تقدير
حصوله صحيحا بل راجحا في نفسه، و لعل هذا هو مقصودهم من اللياقة و الشأنية لا
السرف أو السفه.
كما انه لو فرض الشك في ذلك كفانا التمسك بإطلاقات الخمس لاثبات