فقال: ندسنا. و انما النداس رجل من قوم جرير.
و قوله: «وَ أَحِبّاؤُهُ» جمع حبيب، فقال اللّه لنبيه محمّد (صلي اللّه عليه و آله) قل لهؤلاء المفترين علي ربهم: «فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم» فلأي شيء يعذبكم بذنوبكم إن کان الأمر علي ما زعمتم، فان الأب يشفق علي ولده. و الحبيب علي حبيبه، لا يعذبه و هم يقرون بأنهم معذبون، لأنهم لو لم يقولوا به، كذبوا بكتبهم و أباحوا النّاس ارتكاب فواحشهم. و اليهود تقر انهم يعذبون أربعين يوماً. و هي عدد الأيام الّتي عبدوا فيها العجل.
و قوله: «بَل أَنتُم بَشَرٌ» معناه قل لهم: ليس الامر علي ما زعمتم انكم أبناء اللّه و احباؤه، بل أنتم بشر ممن خلق من بني آدم ان أحسنتم جوزيتم علي إحسانكم مثلهم، و إن اسأتم، جوزيتم علي إساءتكم، کما يجازي غيركم. و ليس لكم عند اللّه إلا ما لغيركم من خلقه.
و قوله: «يَغفِرُ لِمَن يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَن يَشاءُ» فانه و ان علق العذاب بالمشيئة، فالمراد به المعصية، لأنه تعالي لا يشاء العقوبة إلا لمن کان عاصياً، فكان ذكرها أوجز و أبلغ، لما في ذلک من رد الامر الي اللّه ألذي يجازي به علي وجه الحكمة.[1]
و انما هذا وعيد من اللّه لهؤلاء اليهود و النصاري المتكلين علي منازل أسلافهم في الجنان عندهم. فقال اللّه تعالي: لا تغتروا بذلك فإنهم نالوا ما نالوا بطاعتي و إيثار رضاي، لا بالاماني. و قال السدي: معني «يَغفِرُ لِمَن يَشاءُ» يعني يهدي من يشاء في الدنيا فيغفر له، و يميت من يشاء علي كفره، فيعذبه.
و قوله تعالي: «وَ لِلّهِ مُلكُ السَّماواتِ وَ الأَرضِ» معناه انه يملك ذلک وحده لا شريك له يعارضه، فقد وجب اليأس مما قدروا من کل جهة، و أنه لا منجي لهم الا بالعمل بطاعة اللّه و اجتناب معاصيه. و قال أبو علي: ذلک بأنه يملك السموات، و الإرض و ما بينهما علي أنه لا ولد له، لان المالك لذلك لا شبه له، و لان المالك لا يملك ولده لخلقه له.
و قوله: «وَ إِلَيهِ المَصِيرُ» معناه انه يئول اليه امر العباد في أنه لا يملك ضرهم،