الرسول صلى الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام لأنّ الناس حتّى المحدّثين لم يكونوا مجتهدين بهذا المعنى إلّا القليل منهم و لم يكن في كلّ صقع و ناحية التي كان ساكنوها مسلمين شخص أو اشخاص كمحمّد بن مسلم و زرارة بن أعين و جميل بن درّاج و أبان بن تغلب موجودين و مستعدّين للقضاء بل المعروفون من السنّة و الشيعة لم يكونوا أهل الإفتاء و النظر مع تصدّيهم منصب القضاء.
و الحاصل أنّ الجمل الثلاث في المقبولة: «روى حديثنا»، «نظر في حلالنا و حرامنا» و «عرف أحكامنا» لا تدلّ عليه، أمّا الجملة الأولى فظاهرة، و أمّا الجملة الثانية فلأنّ المراد من النظر ليس هو النظر الاجتهادي و الاستنباطي، بل المراد أن لا يكون مثل القضاة المعاصرين لهم الذين لا يمتثلون بأوامرهم و نواهيهم و لا يهتمّون بعلومهم. و كذا الحال في الجملة الثالثة، فإنّ تفسير المعرفة بالمعرفة الاجتهادية خال من الدليل؛ لأنّ المعرفة مقولة بالتشكيك و كلّ واحد من مراتبها يصدق عليه المعرفة و المرتبة العليا منها معرفة اجتهادية، و لا دليل على أن يكون المراد هذه المرتبة فقط.
2- خبرا أبي خديجة[1]، فأحدهما ما روى عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور و لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا، فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه.»
و الآخر ما قاله: بعثني أبو عبد اللّه عليه السلام إلى أصحابنا فقال: «قل لهم إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارؤ في شيءٍ من الأخذ و العطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق، اجعلوا بينكم رجلًا ممّن قد عرف حلالنا و حرامنا، فإنّي قد جعلته قاضياً، و إيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر.»
وجه الاستدلال بهما على المدّعى لا يخلو عن خفاء خصوصاً الأوّل منهما لأنّ وجه
[1]- راجع: وسائل الشيعة، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، ح 5، و الباب 11، ح 6، ج 27، صص 13 و 139.