و لكن، من الإنصاف أن نؤكّد بأنّ الأهميّة العظمى لمنصب القضاء، و عظمة هذا المقام المختصّ بالأنبياء و الأوصياء عليهم السلام ثمّ عدم تجويز أحدٍ من الفقهاء بصراحة لأحدٍ أن يتصدّى لممارسة القضاء إلّا أن يكون مؤمناً، تقتضي اشتراط الإيمان. ذلك؛ لأنّ من الاحتمال القويّ، إن لم يقع فعلًا، أن يكون انحراف العقيدة و ضغوط نوازعها سبباً أكيداً لانحياز القاضي الواقع فيها إلى الباطل و مضاعفاته بل و معارضته و خصومته للحقّ، أو خذلانه له على الأقلّ.
أجل، لمثل هذه النتيجة المتوقّعة، يرجّح في نظرنا أنّ الإيمان لا بدّ من اشتراطه في رجال القضاء و حَمَلته، و خاصّة أنّ مقتضى الأصل في المسألة هو ذلك حيث إنّ الأصل، كما هو مقرّر، عدم وجود الولاية لغير المؤمن و عدم الاعتبار بحكمه و عدم وجوب إنفاذه.
ناهيك عن أنّ هناك أصولًا أخر تجري مجرى ما قلنا في هذا الباب.
نعم لو كان لدينا في المسألة دليلٌ عامّ، يشمل المؤمن و غير المؤمن ثمّ شككنا في المخصّص لأمكننا التمسّك بعموم العامّ، و أصالة عدم المخصّص و بالتالي؛ جاز لنا أن نقول بعدم اشتراط الإيمان بيد أنّ مثل هذا الدليل العامّ غير موجود لا في الكتاب و لا في السنّة.
و لو وصل الأمر إلى الضرورة فأوجب عدم وجود القاضي و عدم نصبه إلى خشية حصول الفساد، و الخوف من تصدّع بيضة الإسلام، و تشتّت شمل المسلمين، عند ذاك؛ يمكن أن تصل النوبة إلى غضّ النظر عن شرط الإيمان؛ مثلنا معه في ذلك مثل بقيّة الشروط.