الخامس: أنّ صحّة تقليد الكافر القضاء بين أهل دينه يوافق النظر الصحيح؛ لأنّ مصلحتهم تقتضي جوازه، فلو لم تصحّ تولية الكافر القضاء بين الكافرين لأدّى هذا إلى تعطيل مصالحهم و انتشار الفساد بينهم ... الدليل السادس: اعتباراً بالعرف الجاري في تقليد غير المسلمين فقد ولّى عمرو بن العاص قضاة من أقباط مصر ليفصلوا في المنازعات التي تقع بين أهل دينهم و أقرّه ... عمر بن الخطّاب لمّا بلغه خبر هذه التولية.»[1] أقول: أمّا قضاء الكفّار فيما بينهم في بلاد الكفر و من قبلهم، فلا شكّ أنّ مصلحتهم تقتضي جوازه، و لكنّه خارج عن مبحثنا. و أمّا نصب الكفّار للقضاء في بلاد المسلمين للحكم بين ملّتهم، أو إرجاعهم إلى من يجوز القضاء فيما بينهم، فنتعرّض أوّلًا لنقد الأدلّة التي أقامتها الحنفيّة لجوازه. و نقلناها آنفاً عنهم ثمّ نأتي بما يصحّ أن يستدلّ به.
الأوّل: قياس القضاء بقبول شهادتهم، ففيه على فرض صحّة قبول شهادة أهل الذمّة عليهم مطلقاً، أو في خصوص الوصيّة، كما في خبر سماعة[2]، لا يثبت قبولها في مطلق الكفّار. و أيضاً صحّة الشهادة لا تدلّ على صحّة القضاء.
الثاني: الآية «الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ»[3] ليست في مقام تشريع جواز ولايتهم عليهم، بل في مقام الإخبار عن حالهم كما نزلت في شأن الظالمين أيضاً[4].
و أمّا الدليل الثالث: فكالأوّل. و الدليل الرابع: قياس على خلاف الأولويّة، لا نقول به.
و الدليل الخامس: مردود أيضاً لأنّه يمكن تحصيل مصلحة الكفّار بتصدّي القضاة المسلمين العالمين بأمورهم. و الدليل السادس: حاكٍ عن سيرة من لا نقول بحجّيّة سيرته.
أمّا الأدلّة التي يمكن أن يستدلّ بها في المقام فمنها الآيات: «... فَإِنْ جاؤُكَ