يستطيع استعمال الماء، و لكن من يشرب مضطرّاً لدفع غصّته[1] لا حدّ عليه للاضطرار، لقوله تعالى «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»، و كذلك حكم من أكره على الشرب، سواء كان الإكراه مادّيّاً أو أدبيّاً، لقول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «عفي لأمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه»، و اختلف فيمن شرب لدفع عطش مهلك، فمذهب أبي حنيفة، و هو يتّفق مع الرأي الراجح في مذهب مالك و الشافعيّ، أن لا حدّ على الشارب. أمّا أحمد فيفرّق بين ما إذا شربها الشارب صرفاً أو ممزوجة بشيء يسير لا يروى من العطش، ففي هذه الحالة على الشارب الحدّ، أمّا إذا شربها ممزوجة بما يروى من العطش أبيح الشرب لدفع الضرورة. و في التداوي بالخمر خلاف، فالرأي الراجح في مذهب مالك و الشافعيّ أنّ التداوي بالخمر فيه الحدّ إذا شربها المريض، أمّا إذا استعملها لطلاء جسمه فلا حدّ؛ لما روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «من تداوى بالخمر فلا شفاه اللَّه»، «إنّ اللَّه لم يجعل شفاء أمّتي في ما حرّم عليها». و يرى أبو حنيفة إباحة الشرب للتداوي، أمّا أحمد فيحرّمه و يرى في الشرب للتداوي الحدّ.»[2]
الأمر الثالث: في اشتراط التكليف
اعتبار اشتراط التكليف- أعني: البلوغ و العقل- في ثبوت حدّ الشرب أمر واضح، لما دلّ على رفع القلم عنهما، و للنصوص الدالّة على أنّه لا حدّ على المجنون و الصبيّ، و قد تقدّم الكلام حول هذا الشرط مفصّلًا في مبحث الزنا.[3]
[1]- غَصَّ بالطعام أو الماء: اعترض في حلقه شيء منه فمنعه التنفّس.
[2]- التشريع الجنائيّ الإسلاميّ، ج 2، صص 503 و 504- و راجع: المغني و يليه الشرح الكبير، ج 10، صص 330 و 331- المحلّى بالآثار، ج 12، ص 376، الرقم 2296- السياسة الجزائيّة، ج 2، صص 277 و 278-/ 284 و 285، و 291-/ 293- الفقه على المذاهب الأربعة، ج 5، ص 33- الفقه الإسلاميّ و أدلّته، ج 6، ص 156.
[3]- راجع: الجزء الأوّل من هذا الكتاب، صص 178-/ 189.