مع كلّ ذلك نقول: لا يعزب عن البال أنّ الإسلام حريص كلّ الحرص ألّا يقام الحدّ إلّا حيث يتبيّن على وجه اليقين ثبوت ارتكاب الجرم، و ذلك بتشدّده في وسائل الإثبات، و درءه الحدود بالشبهات، و العفو في بعض المواضع، و مع ذلك يكفي وقوعها في هاتيك الحالات حتّى يتحقّق أثرها الفعّال في منع الجريمة و تضييق الخناق عليها إلى أقصى حدّ ممكن.
الأمر الثاني: في الحدّ لغة، كتاباً و سنّة
أ- الحدّ في اللغة
إنّ الحدّ يستعمل في اللغة في معانٍ كثيرة، ربّما أنهيت إلى عشرين معنى. منها: القطع، الاشتداد، النشاط، الغضب، ترك الزينة، التشحيذ، النظر، التمييز، الصرف و المنع، تقتير الرزق، التأديب و العقوبة.
نعم، يمكن إرجاع بعض هذه المعاني إلى بعض آخر. و أصل الحدّ هو المنع و الفصل بين الشيئين، و لكن أنسبها للمقام هو التأديب و العقوبة.
قال الراغب الأصفهاني: «الحدّ: الحاجز بين الشيئين، الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر. يقال: حَدَدْتُ كذا: جعلت له حدّاً يميّز. و حدّ الدار: ما تتميّز به عن غيرها. و حدّ الشيء: الوصف المحيط بمعناه المميّز له عن غيره. و حدّ الزنا و الخمر: سمّي به لكونه مانعاً لمتعاطيه من معاودة مثله، و مانعاً لغيره أن يسلك مسلكه.»[1] و قال ابن الأثير: «و هي (أي الحدود): محارم اللَّه و عقوباته التي قرنها بالذنوب، و أصل الحدّ المنع و الفصل بين الشيئين، فكأنّ حدود الشرع فصّلت بين الحلال و الحرام؛ فمنها ما