يختارون منها ما يرونه صالحاً لمحاربة الاجرام و إصلاح المجرمين و تأديبهم، و يتركون ما يرونه غير صالح، و لا يتقيّدون في ذلك بقيودٍ ما، إلّا بمراعاة الأسس العامّة التي تقوم عليها نظريّة العقاب.»[1]
المطلب الثاني: في التعزير المالي
قد ظهر ممّا ذكرنا حكم التعزير المالي، و لكن نبحث فيه هنا مستقلًّا لأهمّيّته، فنقول:
إنّ فقهاءنا الإماميّة لم يتعرّضوا لهذا القسم من التعزير، حيث إنّهم لم يبحثوا عن التعزير بغير الضرب. نعم، قد مرّ كلام العلّامة رحمه الله في التحرير بما هذا نصّه: «التعزير يجب في كلّ جناية لا حدّ فيها ... و هو يكون بالضرب و الحبس و التوبيخ، من غير قطع و لا جرح و لا أخذ مال.»[2] و لكن تعرّض لهذا المبحث فقهاء العامّة مبسوطاً، و قد روي جوازه عن بعض الحنفيّة و مالك و الشافعي في قوله القديم، و خالف في ذلك جمع آخر منهم. و ينبغي التعرّض هنا لبعض كلماتهم نافية و مثبتة:
قال في الفقه على المذاهب الأربعة: «و بالجملة فإنّ التعزير باب واسع يمكن للحاكم أن يقضي به على كلّ الجرائم التي لم يضع الشارع لها حدّاً أو كفّارة، على أن يضع العقوبة المناسبة لكلّ بيئة و لكلّ جريمة، من سجن أو ضرب أو نفي أو توبيخ أو غير ذلك. و أجاز بعض الحنفيّة التعزير بالمال، على أنّه إذا تاب يردّ له.»[3] و قال عبد القادر عودة: «من المسلّم به أنّ الشريعة عاقبت على بعض الجرائم التعزيريّة بعقوبة الغرامة، من ذلك: أنّها تعاقب على سرقة الثمر المعلّق بغرامة تساوي ثمن ما سرق
[1]- التشريع الجنائيّ الإسلاميّ، ج 1، ص 704، الرقم 492.
[2]- تحرير الأحكام، ج 5، صص 410 و 411، الرقم 6972.
[3]- الفقه على المذاهب الأربعة، ج 5، صص 400 و 401.