و يستظهر من رواية طلحة بن زيد، و المرسلة التي رواها الشيخ الطوسي رحمه الله و قد مرّتا، أنّ للإمام أن يعفو عن المجرم في مورد تحقّقت أرضيّة مساعدة للعفو، كما إذا أتى المجرم مقرّاً بالجريمة، و لا يخلو غالباً من الندم و التوبة.
و قال الصدوق رحمه الله في خبر مرسل: «كان صفوان بن أميّة بعد إسلامه نائماً في المسجد فسرق رداءه فتبع اللصّ و أخذ منه الرداء و جاء به إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و أقام بذلك شاهدين عليه، فأمر صلى الله عليه و آله و سلم بقطع يمينه، فقال صفوان: يا رسول اللَّه! أ تقطعه من أجل ردائي؟
فقد وهبته له. فقال صلى الله عليه و آله و سلم: ألا كان هذا قبل أن ترفعه إليّ، فقطعه، فجرت السنّة في الحدّ أنّه إذا رفع إلى الإمام و قامت عليه البيّنة أن لا يعطّل و يقام.»[1] و كيف كان، فمقتضى الجمع بين الأخبار و الفتاوى، هو أنّه ليس للإمام العفو عن الجرائم في جميع الموارد و بنحو عامّ، بل له أن يعفو في موارد إثبات الجرم بالإقرار، و بالطبع حصول الندم من المقرّ.
ثمّ الظاهر- كما نقله صاحب الجواهر رحمه الله[2] عن كشف اللثام أيضاً، و يجيء التصريح به في كلمات بعض فقهاء العامّة- أنّ مورد عفو الإمام هو الحدود التي للَّه، دون ما كان من حقوق الناس. و أمّا الحدّ الذي يمسّ حقّ الأفراد، أو يغلب عليه جانب حقّهم، كحدّ القذف مثلًا، فالعفو فيه دائر مدار من له الحقّ، و لعلّه المستفاد من صحيح ضريس الكناسي المذكور آنفاً، كما أنّ إقامته أيضاً موقوف على مطالبة صاحبه.
و أمّا العفو عن القطع في السرقة في خبر طلحة بن زيد، فلأنّ القطع من حقوق اللَّه، فقد روى الفضيل بن يسار في الصحيح، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «و من أقرّ على نفسه عند
[1]- نفس المصدر، الباب 18 من أبواب حدّ السرقة، ح 4، ص 277.