الإمام بحقّ حدّ من حدود اللَّه في حقوق المسلمين، فليس على الإمام أن يقيم عليه الحدّ الذي أقرّ به عنده، حتّى يحضر صاحب الحقّ أو وليّه فيطالبه بحقّه. قال: فقال له بعض أصحابنا: يا أبا عبد اللَّه! فما هذه الحدود التي إذا أقرّ بها عند الإمام مرّة واحدة على نفسه أقيم عليه الحدّ فيها؟ فقال: إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه، فهذا من حقوق اللَّه ...
قال: و أمّا حقوق المسلمين، فإذا أقرّ على نفسه عند الإمام بفرية، لم يحدّه حتّى يحضر صاحب الفرية أو وليّه، و إذا أقرّ بقتل رجل، لم يقتله، حتّى يحضر أولياء المقتول، فيطالبوا بدم صاحبهم.»[1] و أمّا العامّة، فإنّ المسلّم به عندهم أنّه ليس لوليّ الأمر حقّ العفو في جرائم الحدود، و المبحوث عنه عندهم هو سقوط عقوبة الجرائم بالتوبة، بالبيان التالي:
قد اتّفق فقهاءهم على أنّ التوبة تسقط العقوبة المقرّرة لجريمة الحرابة، إذا حدثت التوبة قبل القدرة على المحارب، و ذلك لقوله تعالى: «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»[2].
و لكن اختلفوا في أثر التوبة على ما عدا هذه الجريمة، و لهم في ذلك ثلاث نظريّات:
الأولى: و القائل بها مالك، و أبو حنيفة، و بعض الفقهاء في مذهبي الشافعي و أحمد، و مجمل رأيهم أنّ التوبة لا تسقط العقوبة إلّا في جريمة الحرابة، لأنّ الأصل أنّ التوبة لا تسقط العقوبة، فاللَّه تعالى أمر بجلد الزاني و الزانية فقال: «الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ»[3]، و قال عزّ شأنه: «وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما»[4]، فجعل الجلد و القطع عامّاً للتائبين و غير التائبين.
[1]- وسائل الشيعة، الباب 32 من أبواب مقدّمات الحدود، ح 1، ج 28، ص 57.