أقول: الحقّ هو القول الأوّل، و ذلك لأنّ العقل أيضاً كالبلوغ من الشرائط العامّة للتكليف عند كلّ من فقهاء السنّة و الشيعة. و له أدلّته الخاصّة المبحوث عنها في محلّها، و هذا ممّا لا ريب لأحد فيه.
ثمّ إنّ وجوب إقامة الحدّ في حقّ أيّ شخص، إنّما يتوقّف على إتيانه فعلًا محرّماً، و لا يجوز إجراء حدّ من الحدود في حقّ أيّ شخص من دون أن يفعل عملًا محرّماً، و هذا أيضاً واضح؛ فالمجنون و المجنونة إذا زنيا، لا يحدّان بحدّ الزنا، لأنّهما غير مكلّفان و عملهما غير محرّم.
و تدلّ على ذلك الأخبار التالية:
1- ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن الفرات، عن الأصبغ بن نباتة، قال: «أتي عمر بخمسة نفر أخذوا في الزنا، فأمر أن يقام على كلّ واحد منهم الحدّ، و كان أمير المؤمنين عليه السلام حاضراً، فقال: يا عمر! ليس هذا حكمهم.
قال: فأقم أنت الحدّ عليهم. فقدّم واحداً منهم فضرب عنقه، و قدّم الآخر فرجمه، و قدّم الثالث فضربه الحدّ، و قدّم الرابع فضربه نصف الحدّ، و قدّم الخامس فعزّره. فتحيّر عمر و تعجّب الناس من فعله. فقال عمر: يا أبا الحسن! خمسة نفر في قضيّة واحدة، أقمت عليهم خمسة حدود ليس شيء منها يشبه الآخر. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أمّا الأوّل فكان ذمّيّاً، فخرج عن ذمّته، لم يكن له حدّ إلّا السيف، و أمّا الثاني فرجل محصن كان حدّه الرجم، و أمّا الثالث فغير محصن حدّه الجلد، و أمّا الرابع فعبد ضربناه نصف الحدّ، و أمّا الخامس فمجنون مغلوب على عقله.»[1] و رواه الكليني رحمه الله مرفوعاً[2]. و رواه عليّ بن إبراهيم رحمه الله في تفسيره مرسلًا، إلّا أنّه قال:
[1]- وسائل الشيعة، الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، ح 16، ج 28، ص 66.